الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الأم ***
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَإِذَا أَسْلَمَتْ الذِّمِّيَّةُ تَحْتَ الذِّمِّيِّ حَامِلاً كَانَتْ لَهَا النَّفَقَةُ حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا فَإِنْ أَرْضَعَتْهُ فَلَهَا أَجْرُ الرَّضَاعِ وَهِيَ كَالْمَبْتُوتَةِ الْمُسْلِمَةِ الْحَامِلِ أَوْ أَوْلَى بِالنَّفَقَةِ مِنْهَا وَإِذَا كَانَ بَيْنَ الْمُشْرِكِينَ وَلَدٌ فَأَيُّ الْأَبَوَيْنِ أَسْلَمَ فَكُلُّ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ مِنْ الْوَلَدِ تَبَعٌ لِلْمُسْلِمِ يُصَلَّى عَلَيْهِ إذَا مَاتَ وَيُورَثُ مِنْ الْمُسْلِمِ وَيَرِثُهُ الْمُسْلِمُ وَإِنْ كَانَ الْأَبَوَانِ مَمْلُوكَيْنِ لِمُشْرِكٍ فَأَسْلَمَ أَحَدُهُمَا تَبِعَ الْمُسْلِمَ الْوَلَدَانِ اللَّذَانِ لَمْ يَبْلُغُوا لِأَنَّ حُكْمَهُمْ حُكْمُ الْإِسْلاَمِ لاَ يَجُوزُ عِنْدِي إلَّا هَذَا الْقَوْلُ مَا كَانَ الْأَوْلاَدُ صِغَارًا وَكَانُوا تَبَعًا لِغَيْرِهِمْ لاَ يُشْرَكُ دِينُ الْإِسْلاَمِ وَغَيْرُهُ فِي دِينٍ إلَّا كَانَ الْإِسْلاَمُ أَوْلَى بِهِ أَوْ قَوْلُ ثَانٍ أَنَّهُمْ إذَا وُلِدُوا عَلَى الشِّرْكِ كَانُوا عَلَيْهِ حَتَّى يُعْرِبُوا عَنْ أَنْفُسِهِمْ فَلَوْ أَسْلَمَ أَبُوهُمْ لَمْ يَكُنْ حُكْمُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حُكْمَ مُسْلِمٍ وَلَسْت أَقُولُ هَذَا وَلاَ أَعْلَمُ أَحَدًا يَقُولُ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فَأَمَّا أَنْ يُقَالَ الْوَلَدُ لِلْأَبِ حَظُّ الْأُمِّ مِنْهُ وَلَوْ اتَّبَعَ الْأُمَّ دُونَ الْأَبِ كَمَا يَتْبَعُهَا فِي الْعِتْقِ وَالرِّقِّ كَانَ أَوْلَى أَنْ يَغْلَطَ إلَيْهِ مِنْ أَنْ يُقَالَ هُوَ لِلْأَبِ وَإِنْ كَانَ الدِّينُ لَيْسَ مِنْ مَعْنَى الرِّقِّ وَلَكِنَّهُ مِنْ الْمَعْنَى الَّذِي وَصَفْت مِنْ أَنَّ الْإِسْلاَمَ إذَا شَارَكَ غَيْرَهُ فِي الدِّينِ وَالْمِلْكِ كَانَ الْإِسْلاَمُ أَوْلَى وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: فِي النَّصْرَانِيَّةِ تَكُونُ عِنْدَ النَّصْرَانِيِّ فَتُسْلِمُ بَعْدَمَا يَدْخُلُ بِهَا: لَهَا الْمَهْرُ فَإِنْ كَانَتْ قَبَضَتْهُ وَإِلَّا أَخَذَتْهُ بَعْدَ إسْلاَمِهَا أَسْلَمَ أَوْ لَمْ يُسْلِمْ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا حَتَّى أَسْلَمَتْ قَبَضَتْ مِنْهُ مَهْرًا أَوْ لَمْ تَقْبِضْهُ فَسَوَاءٌ وَلاَ يَعْدُو أَنْ يَكُونَ لَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ لِأَنَّهُ لَوْ أَسْلَمَ كَانَ أَحَقَّ بِهَا أَوْ لاَ يَكُونُ لَهَا شَيْءٌ لِأَنَّ فَسْخَ النِّكَاحِ جَاءَ مِنْ قِبَلِهَا فَإِذَا كَانَ هَذَا فَعَلَيْهَا رَدُّ شَيْءٍ إنْ كَانَتْ أَخَذَتْهُ لَهُ كَمَا لَوْ أَخَذَتْ مِنْهُ شَيْئًا عِوَضًا مِنْ شَيْءٍ كَالثَّمَنِ لِلسِّلْعَةِ فَفَاتَتْ السِّلْعَةُ كَانَ عَلَيْهَا رَدُّ الثَّمَنِ فَأَمَّا مَالَهَا مَا أَخَذَتْ وَلاَ تَأْخُذُ شَيْئًا إنْ لَمْ تَكُنْ أَخَذَتْ فَلاَ يُشْبِهُ هَذَا مِنْ الْعِلْمِ شَيْئًا. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَإِذَا كَانَتْ النَّصْرَانِيَّةُ عِنْدَ الْمُسْلِمِ فَطَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضَةِ جُبِرَتْ عَلَى الْغُسْلِ مِنْهَا فَإِنْ امْتَنَعَتْ أُدِّبَتْ حَتَّى تَفْعَلَ لِأَنَّهَا تَمْنَعُهُ الْجِمَاعَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَحِلُّ لَهُ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} فَزَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ أَنَّهُ حَتَّى يَطْهُرْنَ مِنْ الْحَيْضِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} يَعْنِي بِالْمَاءِ {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمْ اللَّهُ} فَلَمَّا كَانَ مَمْنُوعًا مِنْ أَنْ يَأْتِيَ زَوْجَتَهُ إلَّا بِأَنْ تَطْهُرَ مِنْ الْحَيْضَةِ وَتَطْهُرَ بِالْمَاءِ فَيَجْتَمِعُ فِيهَا الْمَعْنَيَانِ كَانَ بَيِّنًا أَنْ نُجْبَرَ النَّصْرَانِيَّةُ عَلَى الْغُسْلِ مِنْ الْحَيْضَةِ لِئَلَّا يُمْنَعَ الْجِمَاعَ فَأَمَّا الْغُسْلُ مِنْ الْجَنَابَةِ فَهُوَ مُبَاحٌ لَهُ أَنْ يُجَامِعَهَا جُنُبًا فَتُؤْمَرُ بِهِ كَمَا تُؤْمَرُ بِالْغُسْلِ مِنْ الْوَسَخِ وَالدُّخَانِ وَمَا غَيَّرَ رِيحَهَا وَلاَ يَبِينُ لِي أَنْ تُضْرَبَ عَلَيْهِ لَوْ امْتَنَعَتْ مِنْهُ لِأَنَّهُ غُسْلُ تَنْظِيفٍ لَهَا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: أَحَلَّ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَرَائِرَ الْمُؤْمِنَاتِ وَاسْتَثْنَى فِي إمَاءِ الْمُؤْمِنَاتِ أَنْ يُحَلِّلَهُنَّ بِأَنْ يَجْمَعَ نَاكِحُهُنَّ أَنْ لاَ يَجِدَ طَوْلاً لِحُرَّةٍ وَأَنْ يَخَافَ الْعَنَتَ فِي تَرْكِ نِكَاحِهِنَّ فَزَعَمْنَا أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ نِكَاحُ أَمَةٍ مُسْلِمَةٍ حَتَّى يَجْمَعَ نَاكِحُهَا الشَّرْطَيْنِ اللَّذَيْنِ أَبَاحَ اللَّهُ نِكَاحَهَا بِهِمَا وَذَلِكَ أَنَّ أَصْلَ مَا نَذْهَبُ إلَيْهِ إذَا كَانَ الشَّيْءُ مُبَاحًا بِشَرْطِ أَنْ يُبَاحَ بِهِ فَلاَ يُبَاحُ إذَا لَمْ يَكُنْ الشَّرْطُ كَمَا قُلْنَا فِي الْمَيِّتَةِ تُبَاحُ لِلْمُضْطَرِّ وَلاَ تُبَاحُ لِغَيْرِهِ وَفِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ يُبَاحُ لِمَنْ لَبِسَهُمَا كَامِلَ الطَّهَارَةِ مَا لَمْ يُحْدِثْ وَلاَ يُبَاحُ لِغَيْرِهِ وَفِي صَلاَةِ الْخَوْفِ يُبَاحُ لِلْخَائِفِ أَنْ يُخَالِفَ بِهَا الصَّلَوَاتِ مِنْ غَيْرِ الْخَوْفِ وَلاَ تُبَاحُ لِغَيْرِهِ وَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَلاَ تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} فَأَطْلَقَ التَّحْرِيمُ تَحْرِيمًا بِأَمْرٍ وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ الشِّرْكِ قَالَ: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْهُنَّ الْحَرَائِرُ فَأَطْلَقْنَا مَنْ اسْتَثْنَى اللَّهُ إحْلاَلَهُ وَهُنَّ الْحَرَائِرُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْحَرَائِرُ غَيْرُ الْإِمَاءِ كَمَا قُلْنَا لاَ يَحِلُّ نِكَاحُ مُشْرِكَةٍ غَيْرِ كِتَابِيَّةٍ وَقَالَ غَيْرُنَا كَذَلِكَ كَانَ يَلْزَمُهُ أَنْ يَقُولَ وَغَيْرُ حُرَّةٍ حَتَّى يَجْتَمِعَ فِيهَا أَنْ تَكُونَ حُرَّةً كِتَابِيَّةً فَإِذَا كَانَ نِكَاحُ إمَاءِ الْمُؤْمِنِينَ مَمْنُوعًا إلَّا بِشَرْطَيْنِ كَانَ فِيهِ الدَّلاَلَةُ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ نِكَاحُ غَيْرِ إمَاءِ الْمُؤْمِنِينَ مَعَ الدَّلاَلَةِ الْأُولَى فَإِمَاءُ أَهْلِ الْكِتَابِ مُحَرَّمَاتٌ مِنْ الْوَجْهَيْنِ فِي دَلاَلَةِ الْقُرْآنِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَإِذَا آلَى النَّصْرَانِيُّ مِنْ امْرَأَتِهِ فَتَحَاكَمَا إلَيْنَا بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ حَكَمْنَا عَلَيْهِ حُكْمَنَا عَلَى الْمُسْلِمِ فِي أَنْ يَفِيءَ أَوْ يُطَلِّقَ وَنَأْمُرُهُ إذَا فَاءَ بِالْكَفَّارَةِ وَلاَ نُجْبِرُهُ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ لاَ يَسْقُطُ عَنْهُ بِالشِّرْكِ مِنْ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى شَيْءٌ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَقْبُولٍ مِنْهُ حَتَّى يُؤْمِنَ فَإِذَا تَظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ فَرَافَعَتْهُ وَرَضِيَا بِالْحُكْمِ فَلَيْسَ فِي الظِّهَارِ طَلاَقٌ فَنَحْكُمُ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا فِيهِ كَفَّارَةٌ فَنَأْمُرُهُ بِهَا وَلاَ نُجْبِرُهُ عَلَيْهَا كَمَا قُلْنَا فِي يَمِينِ الْإِيلاَءِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَإِذَا قَذَفَ النَّصْرَانِيُّ امْرَأَتَهُ فَرَافَعَتْهُ وَرَضِيَا بِالْحُكْمِ لاَعَنَّا بَيْنَهُمَا وَفَرَّقْنَا وَنَفَيْنَا الْوَلَدَ كَمَا نَصْنَعُ بِالْمُسْلِمِ وَلَوْ فَعَلَ وَتَرَافَعَا فَأَبَى أَنْ يَلْتَعِنَ عَزَّرْنَاهُ وَلَمْ نَحُدَّهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى مَنْ قَذَفَ نَصْرَانِيَّةً حَدٌّ وَأَقْرَرْنَاهَا مَعَهُ لِأَنَّا لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا إلَّا بِالْتِعَانِهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَإِذَا وَقَعَ الرَّجُلُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَدْ شَهِدَ الْحَرْبَ عَلَى جَارِيَةٍ مِنْ الرَّقِيقِ قَبْلَ أَنْ يُقَسَّمَ فَإِنْ لَمْ تَحْمِلْ أُخِذَ مِنْهُ عُقْرُهَا وَرُدَّتْ إلَى الْمَغْنَمِ فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَهَالَةِ نُهِيَ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عُزِّرَ وَلاَ حَدَّ مِنْ قِبَلِ الشُّبْهَةِ فِي أَنَّهُ يَمْلِكُ مِنْهَا شَيْئًا وَإِنْ أَحْصَى الْمَغْنَمَ فَعَرَفَ قَدْرَ مِلْكِهِ مِنْهَا مَعَ جَمَاعَةِ أَهْلِ الْمَغْنَمِ وَقَعَ عَنْهُ مِنْ الْمَهْرِ بِحِصَّتِهِ وَإِنْ حَمَلَتْ فَهَكَذَا وَتَقُومُ عَلَيْهِ وَتَكُونُ أُمَّ وَلَدِهِ وَإِذَا كَانَ الزِّنَا بِعَيْنِهِ فَلاَ مَهْرَ فِيهِ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ مَهْرِ الْبَغِيِّ وَالْبَغِيُّ هِيَ الَّتِي تُمَكِّنُ مِنْ نَفْسِهَا فَتَكُونُ وَاَلَّذِي زَنَى بِهَا زَانِيَيْنِ مَحْدُودَيْنِ فَإِذَا كَانَتْ مَغْصُوبَةً فَهِيَ غَيْرُ زَانِيَةٍ مَحْدُودَةٍ فَلَهَا الْمَهْرُ وَعَلَى الزَّانِي بِهَا الْحَدُّ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَإِذَا أَوْجَفَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الْعَدُوِّ فَكَانَ فِيهِمْ وَلَدٌ لِمُسْلِمٍ مَمْلُوكٍ لِلْعَدُوِّ أَوْ كَانَ فِيهِمْ وَلَدٌ لِمُسْلِمٍ لَمْ يَزَلْ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَقَدْ شَهِدَ ابْنِهِ الْحَرْبَ فَصَارَ لَهُ الْحَظُّ فِي أَبِيهِ أَوْ ابْنُهُ مِنْهُمْ لَمْ يُعْتَقْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَيْهِ حَتَّى يَقْسِمُوا فَإِذَا صَارَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فِي حَظِّهِ عَتَقَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَعْتِقُ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَأَنْتَ تَقُولُ إذَا مَلَكَ أَبَاهُ أَوْ وَلَدَهُ عَتَقَ عَلَيْهِ فَإِنَّمَا أَقُولُ ذَلِكَ إذَا اُجْتُلِبَ هُوَ فِي مِلْكِهِ بِأَنْ يَشْتَرِيَهُ أَوْ يَتَّهِبَهُ أَوْ يَزْعُمَ أَنَّهُ وُهِبَ لَهُ أَوْ أَوْصَى لَهُ بِهِ لَمْ أَعْتِقْهُ عَلَيْهِ حَتَّى يَقْبَلَهُ وَكَانَ لَهُ رَدُّ الْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ فَهُوَ إذَا أَوْجَفَ عَلَيْهِ فَلَهُ تَرْكُ حَقِّهِ مِنْ الْغَنِيمَةِ وَلاَ يُعْتَقُ حَتَّى يَصِيرَ فِي مِلْكِهِ بِقِسْمٍ أَوْ شِرَاءٍ وَلاَ يُشْبِهُ هَذَا الْجَارِيَةَ يَطَؤُهَا وَلَهُ فِيهَا حَقٌّ مِنْ قِبَلِ أَنَّا نَدْرَأُ الْحَدَّ بِالشُّبْهَةِ وَلاَ نُثْبِتُ الْمِلْكَ بِالشُّبْهَةِ. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: حَكَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نِسَاءِ أَهْلِ الْحَرْبِ مِنْ أَهْلِ الْأَوْثَانِ حُكْمَيْنِ فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَاَللَّائِي سُبِينَ فَاسْتُؤْمِنَّ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ فَقَسَّمَهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَهَى مَنْ صِرْنَ إلَيْهِ أَنْ يَطَأَ حَائِلاً حَتَّى تَحِيضَ أَوْ حَامِلاً حَتَّى تَضَعَ وَذَلِكَ فِي سَبْيِ أَوْطَاسٍ وَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ بِالسَّبَاءِ نَفْسِهِ انْقِطَاعَ الْعِصْمَةِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَذَلِكَ أَنَّهُ لاَ يَأْمُرُ بِوَطْءِ ذَاتِ زَوْجٍ بَعْدَ حَيْضَةٍ إلَّا وَذَلِكَ قَطْعُ الْعِصْمَةِ وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ مَسْعُودٍ رضي الله تعالى عنه أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ النِّسَاءِ إلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} ذَوَاتُ الْأَزْوَاجِ اللَّاتِي مَلَكْتُمُوهُنَّ بِالسَّبْيِ وَلَمْ يَكُنْ اسْتِيمَاؤُهُنَّ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ بِأَكْثَرَ مِنْ قَطْعِ الْعِصْمَةِ بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَ أَزْوَاجِهِنَّ وَسَوَاءٌ أُسِرْنَ مَعَ أَزْوَاجِهِنَّ أَوْ قَبْلَ أَزْوَاجِهِنَّ أَوْ بَعْدَ أَوْ كُنَّ فِي دَارِ الْإِسْلاَمِ أَوْ دَارِ الْحَرْبِ لاَ تَقَعُ الْعِصْمَةُ إلَّا مَا كَانَ بِالسِّبَاءِ الَّذِي كُنَّ بِهِ مُسْتَأْمَيَاتٍ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ وَقَدْ سَبَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رِجَالاً مِنْ هَوَازِنَ فَمَا عَلِمْنَاهُ سَأَلَ عَنْ أَزْوَاجِ الْمَسْبِيَّاتِ أُسْبُوا مَعَهُنَّ أَوْ قَبْلَهُنَّ أَوْ بَعْدَهُنَّ أَوْ لَمْ يُسْبَوْا وَلَوْ كَانَ فِي أَزْوَاجِهِنَّ مَعْنًى يُسْأَلُ عَنْهُنَّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ خَلَّاهُنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَجَعْنَ إلَى أَزْوَاجِهِنَّ فَإِنْ كَانَ الْمُشْرِكُونَ اسْتَحَلُّوا شَيْئًا مِنْ نِسَائِهِمْ فَلاَ حُجَّةَ بِالْمُشْرِكِ وَإِنْ كَانُوا أَسْلَمُوا فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُنَّ يَرْجِعْنَ إلَى أَزْوَاجِهِنَّ إلَّا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَبَاحَهُنَّ لِمَالِكِيهِنَّ وَهُوَ لاَ يُبِيحُهُنَّ وَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ عَلَيْهِنَّ وَلاَ يُبِيحُهُنَّ إلَّا بَعْدَ انْقِطَاعِ النِّكَاحِ وَإِذَا انْقَطَعَ النِّكَاحُ فَلاَ بُدَّ مِنْ تَجْدِيدِ النِّكَاحِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اللَّائِي أَسْلَمْنَ وَلَمْ يُسْبَيْنَ قَبْلَ أَزْوَاجِهِنَّ وَبَعْدَهُمْ سُنَّةً وَاحِدَةً وَذَلِكَ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ وَحَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ أَسْلَمَا بِمَرِّ الظَّهْرَانِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ظَاهِرٌ عَلَيْهِ وَمَكَّةُ دَارُ كُفْرٍ وَبِهَا أَزْوَاجُهُمَا وَرَجَعَ أَبُو سُفْيَانَ أَمَامَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْلِمًا وَهِنْدُ بِنْت عُتْبَةَ مُشْرِكَةً فَأَخَذَتْ بِلِحْيَتِهِ وَقَالَتْ: اُقْتُلُوا هَذَا الشَّيْخَ الضَّالَّ وَأَقَامَتْ عَلَى الشِّرْكِ حَتَّى أَسْلَمَتْ بَعْدَ الْفَتْحِ بِأَيَّامٍ فَأَقَرَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النِّكَاحِ وَذَلِكَ أَنَّ عِدَّتَهَا لَمْ تَنْقَضِ وَصَارَتْ مَكَّةُ دَارَ الْإِسْلاَمِ وَأَسْلَمَتْ امْرَأَةُ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ وَامْرَأَةُ عِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ وَأَقَامَتَا بِمَكَّةَ مُسْلِمَتَيْنِ فِي دَارِ الْإِسْلاَمِ وَهَرَبَ زَوْجَاهُمَا مُشْرِكَيْنِ نَاحِيَةَ الْيَمَنِ إلَى دَارِ الشِّرْكِ ثُمَّ رَجَعَا فَأَسْلَمَ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ وَلَمْ يُسْلِمْ صَفْوَانُ حَتَّى شَهِدَ حُنَيْنًا كَافِرًا ثُمَّ أَسْلَمَ فَأَقَرَّهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نِكَاحِهِمَا وَذَلِكَ أَنَّ عِدَّتَهُمَا لَمْ تَنْقَضِ وَفِي هَذَا حُجَّةٌ عَلَى مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْمَرْأَةِ تُسْلِمُ قَبْلَ الرَّجُلِ وَالرَّجُلُ يُسْلِمُ قَبْلَ الْمَرْأَةِ وَقَدْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا بَعْضُ أَهْلِ نَاحِيَتِنَا فَزَعَمَ فِي الْمَرْأَةِ تُسْلِمُ قَبْلَ الرَّجُلِ مَا زَعَمْنَا وَزَعَمَ فِي الرَّجُلِ يُسْلِمُ قَبْلَ الْمَرْأَةِ خِلاَفَ مَا زَعَمْنَا وَأَنَّهَا تَبِينُ مِنْهُ إلَّا أَنْ يَتَقَارَبَ إسْلاَمُهُ وَهَذَا خِلاَفُ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَالْعَقْلِ وَالْقِيَاسِ وَلَوْ جَازَ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا لَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ فِي الْمَرْأَةُ تُسْلِمُ قَبْلَ الرَّجُلِ قَدْ انْقَطَعَتْ الْعِصْمَةُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْمُسْلِمَةَ لاَ تَحِلُّ لِمُشْرِكٍ بِحَالٍ وَالْمَرْأَةُ الْمُشْرِكَةُ قَدْ تَحِلُّ لِلْمُسْلِمِ بِحَالٍ وَهِيَ أَنْ تَكُونَ كِتَابِيَّةً فَشَدَّدَ فِي الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُهَوِّنَ فِيهِ وَهَوَّنَ فِي الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُشَدِّدَ فِيهِ لَوْ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَإِنْ قَالَ رَجُلٌ: مَا السُّنَّةُ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى مَا قُلْت دُونَ مَا قَالَ؟ فَمَا وَصَفْنَا قَبْلَ هَذَا وَإِنْ قَالَ فَمَا الْكِتَابُ؟ قِيلَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إلَى الْكُفَّارِ لاَ هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} فَلاَ يَجُوزُ فِي هَذِهِ الآيَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ اخْتِلاَفُ الدِّينَيْنِ يَقْطَعُ الْعِصْمَةَ سَاعَةَ اخْتَلَفَا أَوْ يَكُونَ يَقْطَعُ الْعِصْمَةَ بَيْنَهُمَا اخْتِلاَفُ الدِّينَيْنِ وَالثُّبُوتُ عَلَى الِاخْتِلاَفِ إلَى مُدَّةٍ وَالْمُدَّةُ لاَ تَجُوزُ إلَّا بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ دَلَّتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَا وَصَفْنَا وَجَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْمُسْلِمَةِ قَبْلَ زَوْجِهَا وَالْمُسْلِمِ قَبْلَ امْرَأَتِهِ فَحَكَمَ فِيهِمَا حُكْمًا وَاحِدًا فَكَيْفَ جَازَ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا؟ وَجَمَعَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بَيْنَهُمَا فَقَالَ: {لاَ هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَإِنَّمَا ذَهَبْنَا إلَى قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلاَ تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} فَهِيَ كَالآيَةِ قَبْلَهَا لاَ تَعْدُو أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ سَاعَةَ يُسْلِمُ قَبْلَ امْرَأَتِهِ تَنْقَطِعُ الْعِصْمَةُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ وَهِيَ كَافِرَةٌ أَوْ لاَ تَكُونَ الْعِصْمَةُ تَنْقَطِعُ بَيْنَهُمَا إلَّا إلَى مُدَّةٍ فَقَدْ دَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمُدَّةِ وَقَوْلُ مَنْ حَكَيْنَا قَوْلَهُ لاَ قَطْعَ لِلْعِصْمَةِ بَيْنَهُمَا إلَّا بِالْإِسْلاَمِ حِينَ كَانَ مُتَأَوِّلاً فَكَانَ وَإِنْ خَالَفَ قَوْلُهُ السُّنَّةَ قَدْ ذَهَبَ إلَى مَا تَأَوَّلَ وَلاَ جَعَلَ لَهُمَا الْمُدَّةَ الَّتِي دَلَّتْ عَلَيْهَا السُّنَّةُ بَلْ خَرَجَ مِنْ الْقَوْلَيْنِ وَأَحْدَثَ مُدَّةً لاَ يَعْرِفُهَا آدَمِيٌّ فِي الْأَرْضِ فَقَالَ: إذَا تَقَارَبَ فَإِذَا جَازَ لَهُ أَنْ يَقُولَ إذَا تَقَارَبَ قَالَ إنْسَانٌ: التَّقَارُبُ بِقَدْرِ النَّفْسِ أَوْ قَدْرِ السَّاعَةِ أَوْ قَدْرِ بَعْضِ الْيَوْمِ أَوْ قَدْرِ السُّنَّةِ؟ لِأَنَّ هَذَا كُلَّهُ قَرِيبٌ وَإِنَّمَا يَحُدُّ مِثْلَ هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَّا أَنْ يَحُدَّ هَذَا بِالرَّأْيِ وَالْغَفْلَةِ فَهَذَا مَا لاَ يَجُوزُ مَعَ الرَّأْيِ وَالْيَقَظَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا أَسْلَمَ الزَّوْجُ قَبْلَ الْمَرْأَةِ وَالْمَرْأَةُ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَخَرَجَ إلَى دَارِ الْإِسْلاَمِ لَمْ يَنْكِحْ أُخْتَهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ امْرَأَتِهِ وَلَمْ تُسْلِمْ فَتَبِينَ مِنْهُ فَلَهُ نِكَاحُ أُخْتِهَا أَوْ أَرْبَعٍ سِوَاهَا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا قُوتِلَ أَهْلُ الْحَرْبِ مِنْ الْعَجَمِ جَرَى السِّبَاءُ عَلَى ذَرَارِيِّهِمْ وَنِسَائِهِمْ وَرِجَالِهِمْ لاَ اخْتِلاَفَ فِي ذَلِكَ وَإِذَا قُوتِلُوا وَهُمْ مِنْ الْعَرَبِ فَقَدْ سَبَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَهَوَازِنَ وَقَبَائِلَ مِنْ الْعَرَبِ وَأَجْرَى عَلَيْهِمْ الرِّقَّ حَتَّى مَنَّ عَلَيْهِمْ بَعْدُ فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْمَغَازِي فَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَطْلَقَ بَنِي هَوَازِنَ قَالَ لَوْ كَانَ تَامًّا عَلَى أَحَدٍ مِنْ الْعَرَبِ سُبِيَ تَمَّ عَلَى هَؤُلاَءِ وَلَكِنَّهُ إسَارٌ وَفِدَاءٌ فَمَنْ أَثْبَتَ هَذَا الْحَدِيثَ عَمَّ أَنَّ الرِّقَّ لاَ يَجْرِي عَلَى عَرَبِيٍّ بِحَالٍ وَهَذَا قَوْلُ الزُّهْرِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالشَّعْبِيِّ وَيُرْوَى عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ وَالشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى الْغَسَّانِيِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: وَأَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله تعالى عنه قَالَ: لاَ يُسْتَرَقُّ عَرَبِيٌّ قَالَ الرَّبِيعُ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْلاَ أَنَّا نَأْثَمُ بِالتَّمَنِّي لَتَمَنَّيْنَا أَنْ يَكُونَ هَذَا هَكَذَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ فِي الْمَوْلَى يَنْكِحُ الْأَمَةَ يُسْتَرَقُّ وَلَدُهُ وَفِي الْعَرَبِيِّ يَنْكِحُهَا لاَ يُسْتَرَقُّ وَلَدُهُ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُمْ قَالَ الرَّبِيعُ: رَأَى الشَّافِعِيُّ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمْ الْجِزْيَةَ وَوَلَدُهُمْ رَقِيقٌ مِمَّنْ دَانَ دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ قَبْلَ نُزُولِ الْفُرْقَانِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَمَنْ لَمْ يُثْبِتْ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَهَبَ إلَى أَنَّ الْعَرَبَ وَالْعَجَمِ سَوَاءٌ وَأَنَّهُ يَجْرِي عَلَيْهِمْ الرِّقُّ حَيْثُ جَرَى عَلَى الْعَجَمِ. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: فِي الْحَرْبِيِّ يَخْرُجُ إلَى دَارِ الْإِسْلاَمِ مُسْتَأْمَنًا وَامْرَأَتُهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ عَلَى دِينِهِ: لاَ تَنْقَطِعُ بَيْنَهُمَا الْعِصْمَةُ إنَّمَا تَنْقَطِعُ بَيْنَهُمَا الْعِصْمَةُ بِاخْتِلاَفِ الدِّينَيْنِ أَمَّا وَالدِّينُ وَاحِدٌ فَلاَ تَنْقَطِعُ بَيْنَهُمَا الْعِصْمَةُ أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ مُسْلِمًا أُسِرَ وَامْرَأَتُهُ أَوْ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ مُسْتَأْمَنًا وَامْرَأَتُهُ أَوْ أَسْلَمَ هُوَ وَامْرَأَتُهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَقَدَرَ عَلَى الْخُرُوجِ وَلَمْ تَقْدِرْ امْرَأَتُهُ أَتَنْقَطِعُ الْعِصْمَةُ بَيْنَهُمَا وَهُمَا عَلَى دِينٍ وَاحِدٍ؟ لاَ تَنْقَطِعُ الْعِصْمَةُ إلَّا بِاخْتِلاَفِ الدِّينَيْنِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَيُّ الزَّوْجَيْنِ أَسْلَمَ فَانْقَضَتْ الْعِدَّةُ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ الْآخَرُ مِنْهُمَا فَقَدْ انْقَطَعَتْ الْعِصْمَةُ بَيْنَهُمَا وَهُوَ فَسْخٌ بِغَيْرِ طَلاَقٍ وَإِذَا طَلَّقَ النَّصْرَانِيُّ الذِّمِّيُّ امْرَأَتَهُ النَّصْرَانِيَّةَ ثَلاَثًا ثُمَّ أَسْلَمَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَلَمْ تَحِلَّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ حَرْبِيًّا مِنْ قِبَلِ أَنَّا إذَا أَثْبَتِنَا لَهُ عَقْدَ النِّكَاحِ فَجَعَلْنَا حُكْمَهُ فِيهِ كَحُكْمِ الْمُسْلِمِ لَزِمَنَا أَنْ نَجْعَلَ حُكْمَهُ حُكْمَ الْمُسْلِمِ فِيمَا يَفْسَخُ عَقْدَ النِّكَاحِ وَفَسْخُ عَقْدِ النِّكَاحِ التَّحْرِيمُ بِالطَّلاَقِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَإِذَا طَلَّقَ الْمُسْلِمُ امْرَأَتَهُ النَّصْرَانِيَّةَ ثَلاَثًا فَنَكَحَهَا نَصْرَانِيٌّ أَوْ عَبْدٌ فَأَصَابَهَا حَلَّتْ لَهُ إذَا طَلَّقَهَا زَوْجُهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ زَوْجٌ وَإِنَّمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} فَقَدْ نَكَحَتْ زَوْجًا غَيْرَهُ وَإِذَا جَازَ لَنَا أَنْ نَزْعُمَ أَنَّ النَّصْرَانِيَّ يَنْكِحُ النَّصْرَانِيَّةَ فَيُحْصِنُهَا حَتَّى تَرْجُمَهَا لَوْ زَنَتْ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَمَ يَهُودِيَّيْنِ زَنَيَا فَقَدْ زَعَمْنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِكَاحَهُ يُحْصِنُهَا فَكَيْفَ يَذْهَبُ عَلَيْنَا أَنْ يَكُونَ لاَ يُحِلُّهَا وَهُوَ يُحْصِنُهَا؟
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَإِذَا سُبِيَ الْمَجُوسِيُّ وَأَهْلُ الْأَوْثَانِ لَمْ تُوطَأْ مِنْهُنَّ امْرَأَةٌ بَالِغٌ حَتَّى تُسْلِمَ وَإِنْ سُبِيَ مِنْهُنَّ صِبْيَاتٌ فَمَنْ كَانَ مِنْهُنَّ مَعَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ وَلَمْ يُسْلِمْ فَلاَ تُوطَأُ لِأَنَّ دِينَهَا دِينُ أَبِيهَا وَأُمِّهَا وَإِنْ أَسْلَمَ أَحَدُ أَبَوَيْهَا وَهِيَ صَبِيَّةٌ وُطِئَتْ فَإِذَا سُبِيَتْ مُنْفَرِدَةً لَيْسَتْ مَعَ أَحَدِ أَبَوَيْهَا وُطِئَتْ لِأَنَّا نَحْكُمُ لَهَا بِحُكْمِ الْإِسْلاَمِ وَنُجْبِرُهَا عَلَيْهِ مَا لَمْ تَكُنْ بَالِغًا مُشْرِكَةً أَوْ صَغِيرَةً مَعَ أَحَدِ أَبَوَيْهَا مُشْرِكًا فَإِذَا حَكَمْنَا لَهُمْ بِحُكْمِ الْإِسْلاَمِ لَمْ يَكُنْ لِتَحْرِيمِ فَرْجِهَا مَعْنًى.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: مَنْ دَانَ دِينَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى مِنْ الصَّابِئِينَ وَالسَّامِرَةِ أُكِلَتْ ذَبِيحَتُهُ وَحَلَّ نِسَاؤُهُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَتَبَ إلَيْهِ فِيهِمْ أَوْ فِي أَحَدِهِمْ فَكَتَبَ بِمِثْلِ مَا قُلْنَا فَإِذَا كَانُوا يَعْرِفُونَ بِالْيَهُودِيَّةِ أَوْ النَّصْرَانِيَّةِ فَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ النَّصَارَى فِرَقٌ فَلاَ يَجُوزُ إذَا جَمَعَتْ النَّصْرَانِيَّةُ بَيْنَهُمْ أَنْ تَزْعُمَ أَنَّ بَعْضَهُمْ تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ وَنِسَاؤُهُ وَبَعْضُهُمْ تَحْرُمُ إلَّا بِخَبَرٍ يَلْزَمُ مِثْلُهُ وَلَمْ نَعْلَمْ فِي هَذَا خَبَرًا فَمَنْ جَمَعَهُ الْيَهُودِيَّةُ وَالنَّصْرَانِيَّةُ فَحُكْمُهُ حُكْمٌ وَاحِدٌ وَقَالَ: لاَ تُؤْكَلُ ذَبِيحَةُ الْمَجُوسِيِّ وَإِنْ سَمَّى اللَّهَ عَلَيْهَا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا اُغْتُصِبَتْ جَارِيَةُ الرَّجُلِ أُمَّ وَلَدٍ كَانَتْ أَوْ غَيْرَ أُمِّ وَلَدٍ وَأَحْرَزَهَا الْمُشْرِكُونَ أَوْ غَيْرُهُمْ فَصَارَتْ إلَيْهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ اسْتِبْرَاءٌ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْحَالاَتِ لِأَنَّهَا لَمْ تُمْلَكْ عَلَيْهِ كَمَا لاَ يَكُونُ عَلَيْهِ اسْتِبْرَاءٌ لَوْ غَابَتْ عَنْهُ فَلَمْ يَدْرِ لَعَلَّهَا فَجَرَتْ أَوْ فَجَرَ بِهَا وَالِاخْتِيَارُ لَهُ فِي هَذَا كُلِّهِ أَنْ لاَ يَقْرَبَهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ جَارِيَةً مِنْ الْمَغْنَمِ أَوْ وَقَعَتْ فِي سَهْمِهِ أَوْ مِنْ سُوقِ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يُقَبِّلْهَا وَلَمْ يُبَاشِرْهَا وَلَمْ يَتَلَذَّذْ مِنْهَا بِشَيْءٍ حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا مَلَكَ الرَّجُلُ جَارِيَةً بِشِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ وَهِيَ فِي أَوَّلِ حَيْضَتِهَا أَوْ وَسَطِهَا أَوْ آخِرِهَا لَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْحَيْضَةُ اسْتِبْرَاءً كَمَا لاَ تَكُونُ مِنْ الْعِدَّةِ فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ الْعِدَّةُ الْحَيْضُ وَلاَ قَوْلُ مَنْ قَالَ الْعِدَّةُ الطُّهْرُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ أَمَامَهَا طُهْرٌ وَيَجْزِيَهَا حَيْضَةً وَاحِدَةً وَإِذَا ارْتَابَتْ الْمُسْتَبْرَأَةُ لَمْ تُوطَأْ حَتَّى تَذْهَبَ الرِّيبَةُ وَلاَ وَقْتَ فِي ذَلِكَ إلَّا ذَهَابُ الرِّيبَةِ وَإِنْ كَانَتْ مُشْتَرَاةً لَمْ تُرَدَّ بِهَذَا وَأُرِيهَا النِّسَاءُ فَإِنْ قُلْنَ هَذَا حَمْلٌ أَوْ دَاءٌ رُدَّتْ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي اسْتِبْرَاءِ الْأَمَةِ الَّتِي لاَ تَحِيضُ مِنْ صِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: شَهْرٌ قِيَاسًا عَلَى الْحَيْضَةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: شَهْرٌ وَنِصْفٌ وَلَيْسَ لِهَذَا وَجْهٌ وَهُوَ إمَّا أَنْ يَكُونَ شَهْرًا وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا مِنْ ثَلاَثَةِ أَشْهُرٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: اسْتِبْرَاءُ الْأَمَةِ شَهْرٌ إذَا كَانَتْ مِمَّنْ لاَ تَحِيضُ قِيَاسًا عَلَى حَيْضَةٍ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَقَامَ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ مَقَامَ ثَلاَثَةِ قُرُوءٍ فَلِكُلِّ حَيْضَةٍ شَهْرٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَضَى فِيهِ أَثَرٌ بِخِلاَفِهِ يُثْبِتُ مِثْلَهُ فَالْأَثَرُ أَوْلَى أَنْ يُتَّبَعَ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَإِذَا مَلَكَ الرَّجُلُ الْأُخْتَيْنِ بِأَيِّ وَجْهٍ مَا كَانَ فَلَهُ أَنْ يَطَأَ أَيَّتَهُمَا شَاءَ وَإِذَا وَطِئَ إحْدَاهُمَا لَمْ يَجُزْ لَهُ وَطْءُ الْأُخْرَى حَتَّى يَحْرُمَ عَلَيْهِ فَرْجُ الَّتِي وَطِئَ بِأَيِّ وَجْهٍ مَا حَرَّمَ مِنْ نِكَاحٍ أَوْ عَتَاقَةٍ أَوْ كِتَابَةٍ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَوَطِئَ الْأُخْرَى ثُمَّ عَجَزَتْ الْمُكَاتَبَةُ أَوْ طَلُقَتْ ثَبَتَ عَلَى وَطْءِ الَّتِي وَطِئَ بَعْدَهَا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَطَأَ الْعَاجِزَةَ وَلاَ الْمُطَلَّقَةَ فَتَكُونُ فِي هَذِهِ الْحَالِ وَأُخْتُهَا فِي الْحَالَةِ الْأُولَى.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَإِذَا مَلَكَ الرَّجُلُ الْأُخْتَيْنِ بِأَيِّ وَجْهٍ مَا كَانَ فَلَهُ أَنْ يَطَأَ أَيَّتَهُمَا شَاءَ وَإِذَا وَطِئَ إحْدَاهُمَا لَمْ يَجُزْ لَهُ وَطْءُ الْأُخْرَى حَتَّى يَحْرُمَ عَلَيْهِ فَرْجُ الَّتِي وَطِئَ بِأَيِّ وَجْهٍ مَا حَرَّمَ مِنْ نِكَاحٍ أَوْ عَتَاقَةٍ أَوْ كِتَابَةٍ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَوَطِئَ الْأُخْرَى ثُمَّ عَجَزَتْ الْمُكَاتَبَةُ أَوْ طَلُقَتْ ثَبَتَ عَلَى وَطْءِ الَّتِي وَطِئَ بَعْدَهَا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَطَأَ الْعَاجِزَةَ وَلاَ الْمُطَلَّقَةَ فَتَكُونُ فِي هَذِهِ الْحَالِ وَأُخْتُهَا فِي الْحَالَةِ الْأُولَى.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَلاَ يَحِلُّ وَطْءُ الْأُمِّ بَعْدَ الْبِنْتِ وَلاَ الْبِنْتِ بَعْدَ الْأُمِّ مِنْ مِلْكِ الْيَمِينِ وَلاَ يَحِلُّ وَطْءُ الْمَمْلُوكَاتِ بِشَيْءٍ لاَ يَحِلُّ مِنْ وَطْءِ الْحَرَائِرِ مِثْلُهُ إلَّا أَنَّهُنَّ يُخَالِفْنَ الْحَرَائِرَ فِي مَعْنَيَيْنِ فَيَكُونُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَمْلِكَ الْأُمَّ وَوَلَدَهَا وَلاَ يَكُونُ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ الْأُمَّ وَابْنَتَهَا وَيَجْمَعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ مِنْ الْمِلْكِ وَلاَ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا مِنْ النِّكَاحِ وَيَطَأُ مِنْ الْوَلاَئِدِ مَا شَاءَ بِالْمِلْكِ وَفِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَلاَ يَكُونُ لَهُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ بِالنِّكَاحِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَإِذَا مَلَكَ الرَّجُلُ أَهْلَ الْبَيْتِ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْأُمِّ وَوَلَدِهَا حَتَّى يَبْلُغَ الْوَلَدُ سَبْعًا أَوْ ثَمَانِ سِنِينَ فَإِذَا بَلَغَ ذَلِكَ جَازَ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَمِنْ أَيْنَ وَقَّتَ سَبْعًا أَوْ ثَمَانِ سِنِينَ؟ قِيلَ: رَوَيْنَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ خَيَّرَ غُلاَمًا بَيْنَ أَبَوَيْهِ وَعَنْ عُمَرَ رضي الله عنه وَالْغُلاَمُ غَيْرُ بَالِغٍ عِنْدَنَا وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله تعالى عنه أَنَّهُ خَيَّرَ غُلاَمًا بَيْنَ أُمِّهِ وَعَمِّهِ وَكَانَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله تعالى عنه وَالْغُلاَمُ ابْنُ سَبْعٍ أَوْ ثَمَانِ سِنِينَ ثُمَّ نَظَرَ إلَى أَخٍ لَهُ أَصْغَرَ مِنْهُ فَقَالَ: وَهَذَا لَوْ بَلَغَ مَبْلَغَ هَذَا خَيَّرْنَاهُ فَجَعَلْنَا هَذَا حَدًّا لِاسْتِغْنَاءِ الْغُلاَمِ وَالْجَارِيَةِ وَأَنَّهُ أَوَّلُ مُدَّةٍ يَكُونُ لَهُمَا فِي أَنْفُسِهِمَا قَوْلٌ وَكَذَلِكَ وَلَدُ الْوَلَدِ مَنْ كَانُوا فَأَمَّا الْأَخَوَانِ فَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَكَيْفَ فَرَّقْتُمْ بَيْنَ الْأَخَوَيْنِ وَلَمْ تُفَرِّقُوا بَيْنَ الْوَلَدِ وَأُمِّهِ؟ قِيلَ: السُّنَّةُ فِي الْأُمِّ وَوَلَدِهَا وَوَجَدْت حَالَ الْوَلَدِ مِنْ الْوَالِدِ مُخَالِفًا حَالَ الْأَخِ مِنْ أَخِيهِ وَوَجَدْتَنِي أَجْبُرُ الْوَلَدَ عَلَى نَفَقَةِ الْوَالِدِ وَالْوَالِدَ عَلَى نَفَقَةِ الْوَلَدِ فِي الْحِينِ الَّذِي لاَ غِنَى لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ وَلَمْ أَجِدُنِي أَجْبُرُ الْأَخَ عَلَى نَفَقَةِ أَخِيهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَإِذَا اشْتَرَى الذِّمِّيُّ عَبْدًا مُسْلِمًا فَالشِّرَاءُ جَائِزٌ وَأُجْبِرُهُ عَلَى بَيْعِهِ وَإِنَّمَا مَنَعَنِي مِنْ أَنْ أَجْعَلَ الشِّرَاءَ فِيهِ بَاطِلاً أَنَّهُ لَوْ أَسْلَمَ عِنْدَهُ جَبَرْتُهُ عَلَى بَيْعِهِ وَلَوْ أَعْتَقَهُ أَوْ وَهَبَهُ لِمُسْلِمٍ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ أَوْ مَاتَ وَلاَ وَارِثَ لَهُ قَبَضَ عَنْهُ وَجَازَ فِيهِ الْعِتْقُ فِي حَيَاتِهِ وَالصَّدَقَةُ وَالْهِبَةُ وَلاَ يَكُونُ هَذَا إلَّا لِمَنْ يَكُونُ مِلْكُهُ ثَابِتًا مُدَّةً مِنْ الْمُدَدِ وَإِنْ كُنْت لاَ أُثْبِتُهُ عَلَى الْأَبَدِ كَمَا أُثْبِتُ مِلْكَ الْمُسْلِمِ وَإِذَا كَانَ لِلذِّمِّيِّ مَمْلُوكَانِ امْرَأَةٌ وَرَجُلٌ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فَأَيُّهُمَا أَسْلَمَ جَبَرْت السَّيِّدَ عَلَى بَيْعِ الْمُسْلِمِ مِنْهُمَا وَالْوَلَدُ الصِّغَارُ لِأَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ بِإِسْلاَمِ أَيِّ الْأَبَوَيْنِ أَسْلَمَ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَإِذَا دَخَلَ الْحَرْبِيُّ دَارَ الْإِسْلاَمِ بِأَمَانٍ وَمَعَهُ مَمْلُوكَةٌ أَوْ مَمْلُوكٌ فَأَسْلَمَا أَوْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا أَجْبَرْتُهُ عَلَى بَيْعِهِمَا أَوْ بَيْعِ الْمُسْلِمِ مِنْهُمَا وَدَفَعْت إلَيْهِ ثَمَنَهُمَا وَلَيْسَ لَهُ أَمَانٌ يُعْطِي بِهِ أَنْ يَمْلِكَ مُسْلِمًا وَأَمَانُ الذِّمِّيِّ الْمُعَاهَدِ أَكْثَرُ مِنْ أَمَانِهِ وَأَنَا أُجْبِرُهُ عَلَى بَيْعِ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ مَمَالِيكِهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ الْكَافِرُ بَيْنَ مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ وَأَسْلَمَ جَبَرْت الْكَافِرَ عَلَى بَيْعِ نَصِيبِهِ فِيهِ وَجَبَرْتُهُ عَلَى بَيْعِ كُلِّهِ أَكْثَرَ مَنْ جَبَرْتُهُ عَلَى بَيْعِ نَصِيبِهِ وَإِذَا حَاصَرَ الْمُسْلِمُونَ الْمُشْرِكِينَ فَاسْتَأْمَنَ رَجُلٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ لِجَمَاعَةٍ بِأَعْيَانِهِمْ كَانَ لَهُمْ الْأَمَانُ وَلَمْ يَكُنْ الْأَمَانُ لِغَيْرِهِمْ وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَأْمَنَ لِعَدَدٍ كَانَ الْأَمَانُ لِأُولَئِكَ الْعَدَدِ وَلَيْسَ لِغَيْرِهِمْ وَهَكَذَا إنْ قَالَ تُؤَمِّنُ لِي مِائَةَ رَجُلٍ وَأُخْلِي بَيْنَك وَبَيْنَ الْبَقِيَّةِ كَانَ الْأَمَانُ فِي الْمِائَةِ الرَّجُلِ إلَيْهِ فَمَنْ سَمَّى فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ لَمْ يُسْتَثْنَ فَلَيْسَ بِآمِنٍ. وَهَكَذَا إنْ قَالَ: تُؤَمِّنُ لِي أَهْلَ الْحِصْنِ عَلَى أَنْ أَدْفَعَ إلَيْك مِائَةً مِنْهُمْ فَلاَ بَأْسَ وَالْمِائَةُ رَقِيقٌ كَانُوا مِنْ حَرْبِهِمْ أَوْ رَقِيقِهِمْ مِنْ قِبَلِ أَنِّي إذَا قَدَرْت عَلَيْهِمْ كَانُوا جَمِيعًا رَقِيقًا فَلَمَّا كُنْت قَادِرًا عَلَى بَعْضِهِمْ كَانُوا رَقِيقًا وَكَانَ مَنْ أَمَّنْت غَيْرَ رَقِيقٍ وَلَيْسَ هَذَا بِنَقْضٍ لِلْعَهْدِ وَلاَ رُجُوعَ فِي صُلْحٍ إنَّمَا هَذَا صُلْحٌ عَلَى شَرْطٍ فَمَنْ أَدْخَلَهُ الْمُسْتَأْمِنُ فِي الْأَمَانِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِيهِ وَمَنْ أَخْرَجَهُ مِنْهُ مِمَّنْ لَمْ أُعْطِهِ الْأَمَانَ فَهُوَ خَارِجٌ مِنْهُ حُكْمُهُ حُكْمُ مُشْرِكٍ يَجْرِي عَلَيْهِ الرِّقُّ إذَا قَدَرَ عَلَيْهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: إذَا أُسِرَ الْمُسْلِمُ فَأَحْلَفَهُ الْمُشْرِكُونَ أَنْ يَثْبُتَ فِي بِلاَدِهِمْ وَلاَ يَخْرُجُ مِنْهَا عَلَى أَنْ يُخْلُوهُ فَمَتَى قَدَرَ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْهَا فَلْيَخْرُجْ لِأَنَّ يَمِينَهُ يَمِينُ مُكْرَهٍ وَلاَ سَبِيلَ لَهُمْ عَلَى حَبْسِهِ وَلَيْسَ بِظَالِمٍ لَهُمْ بِخُرُوجِهِ مِنْ أَيْدِيهِمْ وَلَعَلَّهُ لَيْسَ بِوَاسِعٍ أَنْ يُقِيمَ مَعَهُمْ إذَا قَدَرَ عَلَى التَّنَحِّي عَنْهُمْ وَلَكِنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَغْتَالَهُمْ فِي أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ لِأَنَّهُمْ إذَا أَمَّنُوهُ فَهُمْ فِي أَمَانٍ مِنْهُ وَلاَ نَعْرِفُ شَيْئًا يُرْوَى خِلاَفَ هَذَا، وَلَوْ كَانَ أَعْطَاهُمْ الْيَمِينَ وَهُوَ مُطْلَقٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْخُرُوجُ إذَا كَانَ غَيْرَ مُكْرَهٍ إلَّا بِأَنْ يَلْزَمَهُ الْحِنْثُ وَكَانَ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ وَيَحْنَثَ لِأَنَّهُ حَلَفَ غَيْرَ مُكْرَهٍ وَإِنَّمَا أَلْغَيَا عَنْهُ الْحِنْثَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لِأَنَّهُ كَانَ مُكْرَهًا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَإِذَا أَسَرَ الْعَدُوُّ الرَّجُلَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُ وَأَمَّنُوهُ وَوَلَّوْهُ ضِيَاعَهُمْ أَوْ لَمْ يُوَلُّوهُ فَأَمَانُهُمْ إيَّاهُ أَمَانٌ لَهُمْ مِنْهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَغْتَالَهُمْ وَلاَ يَخُونَهُمْ. وَأَمَّا الْهَرَبُ بِنَفْسِهِ فَلَهُ الْهَرَبُ وَإِنْ أُدْرِكَ لِيُؤْخَذَ فَلَهُ أَنْ يُدَافِعَ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنْ قَتَلَ الَّذِي أَدْرَكَهُ لِأَنَّ طَلَبَهُ لِيُؤْخَذَ إحْدَاثٌ مِنْ الطَّالِبِ غَيْرَ الْأَمَانِ فَيَقْتُلُهُ إنْ شَاءَ وَيَأْخُذُ مَالَهُ مَا لَمْ يَرْجِعْ عَنْ طَلَبِهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَإِذَا أَسَرَ الْمُشْرِكُونَ الْمُسْلِمَ فَخَلُّوهُ عَلَى فِدَاءٍ يَدْفَعُهُ إلَيْهِمْ إلَى وَقْتٍ وَأَخَذُوا عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَدْفَعْ الْفِدَاءَ أَنْ يَعُودَ فِي إسَارِهِمْ فَلاَ يَنْبَغِي أَنْ يَعُودَ فِي إسَارِهِمْ وَلاَ يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ إذَا أَرَادَ أَنْ يَعُودَ أَنْ يَدَعَهُ وَالْعَوْدَةَ وَإِذَا كَانُوا امْتَنَعُوا مِنْ تَخْلِيَتِهِ إلَّا عَلَى مَالٍ يُعْطِيهُمُوهُ فَلاَ يُعْطِيهِمْ مِنْهُ شَيْئًا لِأَنَّهُ مَالٌ أَكْرَهُوهُ عَلَى أَخْذِهِ مِنْهُ بِغَيْرِ حَقٍّ فَإِنْ كَانَ أَعْطَاهُمُوهُ عَلَى شَيْءٍ فَأَخَذَهُ مِنْهُمْ لَمْ يَحِلَّ لَهُ إلَّا أَدَاؤُهُ إلَيْهِمْ بِكُلِّ حَالٍ وَهَكَذَا لَوْ صَالَحَهُمْ مُبْتَدِئًا عَلَى شَيْءٍ انْبَغَى لَهُ أَنْ يُؤَدِّيهِ إلَيْهِمْ إنَّمَا أَطْرَحُ عَنْهُ مَا اسْتَنْكَرَهُ عَلَيْهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَإِذَا دَخَلَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ فَسَبَى أَهْلُ الْحَرْبِ قَوْمًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَكُنْ لِلْمُسْتَأْمَنَيْنِ قِتَالُ أَهْلِ الْحَرْبِ عَنْهُمْ حَتَّى يَنْبِذُوا إلَيْهِمْ فَإِذَا نَبَذُوا إلَيْهِمْ فَحَذَّرُوهُمْ وَانْقَطَعَ الْأَمَانُ بَيْنَهُمْ كَانَ لَهُمْ قِتَالُهُمْ فَأَمَّا مَا كَانُوا فِي مُدَّةِ الْأَمَانِ فَلَيْسَ لَهُمْ قِتَالُهُمْ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَإِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ فَوُهِبَتْ لَهُ جَارِيَةٌ أَوْ غُلاَمٌ أَوْ مَتَاعٌ لِمُسْلِمٍ قَدْ أَحْرَزَهُ عَلَيْهِ أَهْلُ الْحَرْبِ ثُمَّ خَرَجَ بِهِ إلَى دَارِ الْإِسْلاَمِ فَعَرَفَهُ صَاحِبُهُ وَأَثْبَتَ عَلَيْهِ بَيِّنَةً أَوْ أَقَرَّ لَهُ الَّذِي هُوَ فِي يَدَيْهِ بِدَعْوَاهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَيْهِ بِلاَ عِوَضٍ يَأْخُذُهُ مِنْهُ وَيُجْبِرُهُ السُّلْطَانُ عَلَى دَفْعِهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَإِذَا رَهَنَ الرَّجُلُ جَارِيَةً بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَذَلِكَ قِيمَتُهَا ثُمَّ سَبَاهَا الْعَدُوُّ ثُمَّ أَخَذَهَا صَاحِبُهَا الرَّاهِنُ بِثَمَنٍ أَوْ غَيْرِ ثَمَنٍ فَهِيَ عَلَى الرَّهْنِ كَمَا كَانَتْ لاَ يُخْرِجُهَا السِّبَاءُ مِنْ الرَّهْنِ وَلَوْ وُجِدَتْ فِي يَدَيْ رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أُخْرِجَتْ مِنْ يَدَيْهِ إلَى مِلْكِ مَالِكِهَا الَّذِي سُبِيَتْ عَنْهُ وَكَانَتْ عَلَى الرَّهْنِ وَإِذَا سَبَى الْمُشْرِكُونَ الْحُرَّةَ وَالْمُدَبَّرَةَ وَالْمُكَاتَبَةَ وَأُمَّ الْوَلَدِ وَالْعَبْدَ وَأَخَذُوا الْمَالَ فَكُلُّهُ سَوَاءٌ مَتَى ظَهَرَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ قَبْلَ الْمَقَاسِمِ أَوْ بَعْدَهَا أُخْرِجَ مِنْ يَدَيْ مَنْ هُوَ فِي يَدَيْهِ وَكَانَتْ الْحُرَّةُ حُرَّةً وَالْمُكَاتَبَةُ مُكَاتَبَةً وَالْمُدَبَّرَةُ مُدَبَّرَةً وَالْأَمَةُ أَمَةً وَالْعَبْدُ عَبْدًا وَأُمُّ الْوَلَدِ أُمَّ وَلَدٍ وَالْمَتَاعُ عَلَى حَالِهِ لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ لاَ يَمْلِكُونَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَلَوْ مَلَكُوهُ عَلَيْهِمْ مَلَكَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ مَلَكُوا الْحُرَّةَ وَالْمُكَاتَبَةَ وَأُمَّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرَةَ كَمَا يَسْبِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا ثُمَّ يُسْلِمُونَ فَيُقِرُّ الْمَسْبِيُّ خَوْلاً لِلسَّابِي.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَإِذَا سَبَى الْمُشْرِكُونَ الْمُدَبَّرَةَ فَوَطِئَهَا رَجُلٌ مِنْهُمْ فَوَلَدَتْ أَوْلاَدًا ثُمَّ سُبِيَتْ وَأَوْلاَدُهَا رُدَّتْ إلَى مَالِكِهَا الَّذِي دَبَّرَ وَأَوْلاَدَهَا كَمَا تُرَدُّ الْمَمْلُوكَةُ غَيْرَ مُدَبَّرَةٍ وَلاَ يُبْطِلُ السَّبَاءُ تَدْبِيرَهَا وَلاَ يُبْطِلُهُ إلَّا أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ الْمُدَبَّرُ فَإِنْ مَاتَ الْمُدَبَّرُ قَبْلَ أَنْ يُحْرِزَهَا الْمُسْلِمُونَ فَهِيَ حُرَّةٌ وَأَوْلاَدُهَا فِي قَوْلِ مَنْ أَعْتَقَ وَلَدَ الْمُدَبَّرَةِ بِعِتْقِهَا وَوَلاَؤُهَا لِلَّذِي دَبَّرَهَا وَوَلاَءُ وَلَدِهَا الَّذِينَ أُعْتِقُوا بِعِتْقِهَا فَإِنْ وَلَدَتْ بَعْدَهُمْ أَوْلاَدًا فَوَلاَؤُهُمْ لِمَوَالِي أَبِيهِمْ وَقَالَ فِي الْمُكَاتَبَةِ كَمَا قَالَ فِي الْمُدَبَّرَةِ إلَّا أَنَّ الْمُكَاتَبَةَ لاَ تُعْتَقُ بِمَوْتِ سَيِّدِهَا إنَّمَا عَتَقَ بِالْأَدَاءِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَإِذَا وَلَدَتْ الْمُكَاتَبَةُ أَوْلاَدًا فِي دَارِ الْحَرْبِ وَهِيَ مَسْبِيَّةٌ ثُمَّ أَدَّتْ فَعَتَقَتْ عَتَقَ وَلَدُهَا بِعِتْقِهَا فِي قَوْلٍ يُعْتَقُ وَلَدُ الْمُكَاتَبَةِ بِعِتْقِ أُمِّهِ وَإِنْ عَجَزَتْ رَقَّتْ وَرَقَّ وَلَدُهَا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: إذَا أَسْلَمَتْ أُمُّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَأَخَذَ بِنَفَقَتِهَا وَأُمِرَتْ أَنْ تَعْمَلَ لَهُ فِي مَوْضِعِهَا مَا يَعْمَلُ مِثْلُهَا لِمِثْلِهِ فَإِنْ مَاتَ فَهِيَ حُرَّةٌ وَإِنْ أَسْلَمَ خُلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَلاَ يَجُوزُ فِيهَا مَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ النَّاسِ مِنْ أَنْ تُعْتَقَ وَتَسْعَى فِي قِيمَتِهَا مِنْ قِبَلِ أَنَّهَا إنْ كَانَ الْإِسْلاَمُ يُعْتِقُهَا فَلاَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَيْهَا سِعَايَةٌ وَإِنْ كَانَ الْإِسْلاَمُ لاَ يُعْتِقُهَا فَمَا سَبَبُ عِتْقِهَا وَمَا سَبَبُ سِعَايَتِهَا؟
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: الْعِتْقُ لَوْ كَانَ مِنْ قِبَلِ سَيِّدِهَا وَأَعْتَقَ مِنْهَا سَهْمًا مِنْ مِائَةِ سَهْمٍ عَتَقَتْ كُلُّهَا وَلَمْ يَكُنْ الْعِتْقُ مِنْ قِبَلِ سَيِّدِهَا وَلاَ مِنْ قِبَلِ شَرِيكٍ لَهُ، فَإِنْ قَالَ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهَا فَهِيَ لاَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ تُعْتِقَ نَفْسَهَا، فَإِنْ قَالَ مِنْهُمْ قَائِلٌ: وَهَلْ ثَبَتَ الرِّقُّ لِكَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ؟ قِيلَ: أَنْتَ تُثْبِتُهُ قَالَ: وَأَيْنَ؟ قُلْتُ: زَعَمْت أَنَّ عَبْدَ الْكَافِرِ إذَا أَسْلَمَ فَأَعْتَقَهُ الْكَافِرُ أَوْ بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ أَجَزْت هَذَا كُلَّهُ فِيهِ وَلَوْ كَانَ الْإِسْلاَمُ يُزِيلُ مِلْكَهُ عَنْهُ مَا جَازَ لَهُ مِنْ هَذَا شَيْءٌ وَأَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّ لِلْكَافِرِ أَنْ يَشْتَرِيَ الْمُؤْمِنَ ثُمَّ يَكُونُ عَلَيْهِ بَيْعُهُ وَيَكُونُ لِمُشْتَرِيهِ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى مِلْكِ الْكَافِرِ بِالْعَيْبِ ثُمَّ تَقُولُ لِلْكَافِرِ: بِعْهُ فَإِنْ زَعَمْت أَنَّك تُجْبِرُهُ عَلَى بَيْعِهِ، قِيلَ: فَقُلْ هَذَا فِي مُدَبَّرِهِ وَمُكَاتَبِهِ، فَإِنْ قُلْت: لاَ. قِيلَ: فَكَذَا قُلْ فِي أُمِّ وَلَدِهِ لَيْسَ الْإِسْلاَمُ بِعِتْقٍ لَهَا وَلاَ أَجِدُ السَّبِيلَ إلَى بَيْعِهَا لِمَا سَبَقَ فِيهَا وَلاَ يَجُوزُ قَوْلُ مَنْ قَالَ: أَعْتَقَهَا وَلاَ سِعَايَةَ عَلَيْهَا مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ لاَ يَعْتِقُ الْأَمَةَ لَمْ تَلِدْ إذَا أَسْلَمَتْ وَهِيَ لِنَصْرَانِيٍّ وَلاَ الْعَبْدَ وَيَقُولُ آمُرُهُ بِبَيْعِهِمَا وَالرَّجُلُ لاَ يَكُونُ عُهْدَةُ الْبَيْعِ عَلَيْهِ إلَّا فِيمَا يَمْلِكُ وَهُوَ يُجِيزُ الْعِتْقَ وَالْهِبَةَ وَالصَّدَقَةَ وَهَذَا لاَ يَجُوزُ إلَّا لِمَالِكٍ. فَإِنْ قَالَ: لاَ أَجِدُهُ يَمْلِكُ مِنْ أُمِّ الْوَلَدِ إلَّا الْوَطْءَ فَقَدْ حَرَّمَ عَلَيْهِ الْوَطْءَ فَهُوَ يَمْلِكُ الرَّجُلَ مِنْ أُمِّ وَلَدِهِ أَنْ يَأْخُذَ مَالَهَا وَكَسْبَهَا وَالْجِنَايَةُ عَلَيْهَا وَيَسْتَعِمَّهَا وَتَمُوتُ فَيَصِيرُ إلَيْهِ مَا حَوَتْ وَهَذَا كُلُّهُ غَيْرُ وَطْئِهَا وَلَوْ كَانَ إذَا حَرَّمَ عَلَيْهِ الْفَرْجَ عَتَقَتْ أُمُّ الْوَلَدِ كَانَ لَوْ زَوَّجَ مَالِكٌ أُمَّ وَلَدِهِ أَوْ كَاتَبَهَا انْبَغَى أَنْ يُعْتِقَهَا عَلَيْهِ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ قَدْ حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ فَرْجِهَا وَحَوْلٌ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الْفَرْجِ بِسَبَبٍ لاَ يَمْنَعُ شَيْئًا غَيْرَهُ وَقَدْ قَالَ قَائِلٌ: تَسْعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا كَأَنَّهُ جَعَلَ نِصْفَهَا حُرًّا بِالْوَلَدِ وَنِصْفَهَا مَمْلُوكًا إلَى أَنْ يَمُوتَ السَّيِّدُ. وَلاَ أَعْرِفُ لِلْوَلَدِ حِصَّةً مِنْ الْعِتْقِ مُتَبَعِّضَةً وَلَوْ كَانَتْ حُرَّةً كُلَّهَا مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْوَلَدَ مِنْ السَّيِّدِ وَهُوَ لَوْ أَعْتَقَ السَّيِّدُ مِنْهَا سَهْمًا مِنْ أَلْفِ سَهْمٍ جَعَلَهَا حُرَّةً كُلَّهَا فَلاَ أَعْرِفُ لِمَا ذَهَبَ إلَيْهِ وَجْهًا. وَإِذَا دَخَلَ الْحَرْبِيُّ بِعَبْدِهِ أَوْ أَمَتِهِ دَارَ الْإِسْلاَمِ مُسْتَأْمَنًا فَأَسْلَمَا جُبِرَ عَلَى بَيْعِهِمَا وَلَمْ يُتْرَكْ يَخْرُجُ بِهِمَا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَإِذَا أُسِرَ الْمُسْلِمُ فَكَانَ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَلاَ تُنْكَحُ امْرَأَتُهُ إلَّا بَعْدَ تَيَقُّنِ وَفَاتِهِ عُرِفَ مَكَانُهُ أَوْ خَفِيَ مَكَانُهُ وَكَذَلِكَ لاَ يُقَسَّمُ مِيرَاثُهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَمَا صَنَعَ الْأَسِيرُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ دَارِ الْإِسْلاَمِ أَوْ الْمَسْجُونِ وَهُوَ صَحِيحٌ فِي مَالِهِ غَيْرُ مُكْرَهٍ عَلَيْهِ فَهُوَ جَائِزٌ مِنْ بَيْعٍ وَهِبَةٍ وَصَدَقَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ جَائِزٌ لاَ نُبْطِلُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ إلَّا مَا نُبْطِلُ عَلَى الصَّحِيحِ الْمُطْلَقِ فَإِنْ كَانَ مَرِيضًا فَهُوَ كَالْمَرِيضِ فِي حُكْمِهِ وَهَكَذَا مَا صَنَعَ الرَّجُلُ فِي الْحَرْبِ عِنْدَ الْتِقَاءِ الصَّفَّيْنِ وَقَبْلَ ذَلِكَ مَا لَمْ يُجْرَحْ وَهَكَذَا مَا صَنَعَ إذَا قَدِمَ لِيَقْتُلَ فِيمَا مَنْ قَتْلُهُ فِيهِ بُدٌّ وَفِيمَا يَجِدُ قَاتِلُهُ السَّبِيلَ إلَى تَرْكِهِ مِثْلُ الْقَتْلِ فِي الْقِصَاصِ الَّذِي يَكُونُ لِصَاحِبِهِ عَفْوُهُ وَمِثْلُ قَتْلِ عَصَبَةِ الْقَاتِلِ الَّذِي قَدْ تَتْرُكُهُ وَمَا إذَا قَدِمَ لِيُرْجَمَ فِي الزِّنَا فَلاَ يَجُوزُ لَهُ فِي مَالِهِ إلَّا الثُّلُثَ لِأَنَّهُ لاَ سَبِيلَ إلَى تَرْكِهِ. وَالْحَامِلُ يَجُوزُ مَا صَنَعَتْ فِي مَالِهَا مَا لَمْ يَحْدُثْ لَهَا مَرَضٌ مَعَ حَمْلِهَا أَوْ يَضْرِبُهَا الطَّلْقُ فَإِنَّ ذَلِكَ مَرَضٌ مَخُوفٌ، فَأَمَّا مَا قَبْلَ ذَلِكَ فَمَا صَنَعْت فِيهِ فَهُوَ جَائِزٌ، وَهَكَذَا الرَّجُلُ فِي السَّفِينَةِ فِي الْمَوْضِعِ الْمَخُوفِ مِنْ الْغَرَقِ وَغَيْرِ الْمَخُوفِ لِأَنَّ النَّجَاةَ قَدْ تَكُونُ فِي الْمَخُوفِ وَالْهَلاَكُ قَدْ يَكُونُ فِي غَيْرِهِ وَلاَ وَجْهَ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ: نُجَوِّزُ عَطِيَّةَ الْحَامِلِ حَتَّى تَسْتَكْمِلَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ تَكُونُ كَالْمَرِيضِ فِي عَطِيَّتِهَا بَعْدَ السِّتَّةِ عِنْدِي وَلاَ لِمَا تَأَوَّلَ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا} وَلَيْسَ فِي هَذَا دَلاَلَةٌ عَلَى حَدِّ الْإِثْقَالِ مَتَى هُوَ؟ أَهُوَ التَّاسِعُ أَوْ الثَّامِنُ أَوْ السَّابِعُ أَوْ السَّادِسُ أَوْ الْخَامِسُ أَوْ الرَّابِعُ أَوْ الثَّالِثُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ؟ وَمَنْ ادَّعَى هَذَا بِوَقْتٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ إلَّا بِخَبَرٍ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْإِثْقَالُ الْمَخُوفُ إلَّا حِينَ تَجْلِسُ بَيْنَ الْقَوَابِلِ، فَإِنْ قِيلَ: هِيَ بَعْدَ سِتَّةٍ مَخَافَةً لَهَا قَبْلَ سِتَّةٍ فَكَذَلِكَ هِيَ بَعْدَ شَهْرٍ مُخَالِفَةً لَهَا قَبْلَ الشَّهْرِ بَعْدَ الشَّهْرَيْنِ وَفِي كُلِّ يَوْمٍ زَادَتْ فِيهِ أَنْ يَكْبُرَ وَلَدُهَا وَتَقْرَبَ مِنْ وَضْعِ حَمْلِهَا وَلَيْسَ إلَّا مَا قُلْنَا أَوْ أَنْ يَقُولَ رَجُلٌ: الْحَمْلُ كُلُّهُ مَرَضٌ وَلاَ يُفَرَّقُ بَيْنَ أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ فَإِنْ قَالَ هَذَا فَهُوَ مَعْرُوفٌ فِي الْإِثْقَالِ وَغَيْرِ الْإِثْقَالِ فَالْمَرَضُ الثَّقِيلُ وَالْمَرَضُ الْخَفِيفُ عِنْدَهُ وَعِنْدَ النَّاسِ فِي الْعَطِيَّةِ سَوَاءٌ وَلاَ فَرْقَ فِي الْحُكْمِ بَيْنَ الْمَرِيضِ الْمَخُوفِ عَلَيْهِ الدَّنَفُ وَبَيْنَ الْمَرِيضِ الْخَفِيفِ الْمَرَضِ فِيمَا أَعْطَيَا وَوَهَبَا وَقَدْ يُقَالُ لِهَذَا ثَقِيلٌ وَلِهَذَا خَفِيفٌ وَمَا أَعْلَمُ الْحَامِلَ بَعْدَ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ إلَّا أَثْقَلَ وَأَسْوَأَ حَالاً وَأَكْثَرَ قَيْئًا وَامْتِنَاعًا مِنْ الطَّعَامِ وَأَشْبَهَ بِالْمَرِيضِ مِنْهَا بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَكَيْفَ تَجُوزُ عَطِيَّتُهَا فِي الْوَقْتِ الَّذِي هِيَ فِيهِ قُرْبٌ مِنْ الْمَرَضِ وَتُرَدُّ عَطِيَّتُهَا فِي الْوَقْتِ الَّذِي هِيَ فِيهِ أَقْرَبُ إلَى الصِّحَّةِ؟ فَإِنْ قَالَ: هَذَا وَقْتٌ يَكُونُ فِيهِ الْوَلَدُ تَامًّا لَوْ خَرَجَ فَخُرُوجُهُ تَامًّا أَشْبَهُ لِسَلاَمَةِ أُمِّهِ مِنْ خُرُوجِهِ لَوْ خَرَجَ سَقْطًا وَالْحُكْمُ إنَّمَا هُوَ لِأُمِّهِ لَيْسَ لَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَإِذَا دَخَلَ الْحَرْبِيُّ بِلاَدَ الْإِسْلاَمِ بِأَمَانٍ وَخَلَّفَ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَمْوَالاً وَوَدَائِعَ فِي يَدِ مُسْلِمٍ وَيَدَيْ حَرْبِيٍّ وَيَدَيْ وَكِيلٍ لَهُ ثُمَّ أَسْلَمَ فَلاَ سَبِيلَ عَلَيْهِ وَلاَ عَلَى مَالِهِ وَلاَ عَلَى وَلَدِهِ الصِّغَارِ مَا كَانَ لَهُ عَقَارٌ أَوْ غَيْرُهُ وَهَكَذَا لَوْ أَسْلَمَ فِي بِلاَدِ الْحَرْبِ وَخَرَجَ إلَى دَارِ الْإِسْلاَمِ لاَ سَبِيلَ عَلَى مَالِ مُسْلِمٍ حَيْثُ كَانَ أَسْلَمَ ابْنَا شُعْبَةَ القرظيان وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَاصِرٌ بَنِي قُرَيْظَةَ فَأَحْرَزَ لَهُمَا إسْلاَمَهُمَا أَنْفُسِهِمَا وَأَمْوَالَهُمَا دُورًا كَانَتْ أَوْ عَقَارًا أَوْ غَيْرَهُ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَالُ الْمُسْلِمِ مَغْنُومًا بِحَالٍ فَأَمَّا وَلَدُهُ الْكِبَارُ وَزَوْجَتُهُ فَحُكْمُهُمْ حُكْمُ أَنْفُسِهِمْ يَجْرِي عَلَيْهِمْ مَا يَجْرِي عَلَى أَهْلِ الْحَرْبِ مِنْ الْقَتْلِ وَالسِّبَاءِ وَإِنْ سُبِيَتْ امْرَأَتُهُ حَامِلاً مِنْهُ لَمْ يَكُنْ إلَى إرْقَاقِ ذِي بَطْنِهَا سَبِيلٌ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ إذَا خَرَجَ فَهُوَ مُسْلِمٌ بِإِسْلاَمِ أَبِيهِ وَلاَ يَجْرِي السِّبَاءُ عَلَى مُسْلِمٍ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَإِذَا دَخَلَ الْحَرْبِيُّ دَارَ الْإِسْلاَمِ بِأَمَانٍ فَأَوْدَعَ وَبَاعَ وَتَرَكَ مَالاً ثُمَّ رَجَعَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ فَقُتِلَ بِهَا فَدَيْنُهُ وَوَدَائِعُهُ وَمَا كَانَ لَهُ مِنْ مَالٍ مَغْنُومٍ عَنْهُ لاَ فَرْقَ بَيْنَ الدَّيْنِ الْوَدِيعَةِ وَإِذَا قَدِمَ الْحَرْبِيُّ دَارَ الْإِسْلاَمِ بِأَمَانٍ فَمَاتَ فَالْأَمَانُ لِنَفْسِهِ وَمَالِهِ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ مَالِهِ شَيْءٌ وَعَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يَرُدَّهُ إلَى وَرَثَتِهِ حَيْثُ كَانُوا وَلاَ يُقْبَلُ إنْ لَمْ تَعْرِفَ وَرَثَتُهُ شَهَادَةَ أَحَدٍ غَيْرٍ الْمُسْلِمِينَ وَلاَ يَجُوزُ فِي هَذِهِ الْحَالِ وَلاَ فِي غَيْرِهَا شَهَادَةُ أَحَدٍ خَالَفَ دِينَ الْإِسْلاَمِ لِقَوْلٍ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} وَقَوْلُهُ: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ} وَهَذَا مَكْتُوبٌ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَإِذَا أَعْتَقَ الْحَرْبِيُّ عَبْدَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ خَرَجَا إلَيْنَا وَلَمْ يُحْدِثْ لَهُ قَهْرًا فِي بِلاَدِ الْحَرْبِ يَسْتَعْبِدُهُ بِهِ فَأَرَادَ اسْتِعْبَادَهُ بِبِلاَدِ الْإِسْلاَمِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَسْتَعْبِدَهُ مُسْلِمًا كَانَ الْعَبْدُ أَوْ كَافِرًا أَوْ مُسْلِمًا كَانَ السَّيِّدُ أَوْ كَافِرًا وَلَوْ أَحْدَثَ لَهُ قَهْرًا بِبِلاَدِ الْحَرْبِ أَوْ لِحُرٍّ مِثْلِهِ وَلَمْ يَعْتِقْهُ حَتَّى خَرَجَ إلَيْنَا بِأَمَانٍ كَانَ عَبْدًا لَهُ قَالَ: وَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ الْمُفْتَتَحَةُ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ بِلاَدَ عَنْوَةٍ أَوْ صُلْحٍ تُخْلَى مِنْهُ أَهْلُهُ إلَى الْمُسْلِمِينَ عَلَى شَيْءٍ أَخَذُوهُ مِنْهُمْ بِأَمَانٍ أَوْ غَيْرِهِ فَهِيَ مَمْلُوكَةٌ كَمَا يُمْلَكُ الْفَيْءُ وَالْغَنِيمَةُ وَإِنْ تَرَكَهَا أَهْلُهَا الَّذِينَ كَانَتْ لَهُمْ مِمَّنْ أَوْجَفَ عَلَيْهَا أَوْ غَيْرِهِمْ فَوَقَفَهَا السُّلْطَانُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَلاَ بَأْسَ أَنْ يَتَكَارَى الرَّجُلُ مِنْهَا الْأَرْضَ لِيَزْرَعَهَا وَعَلَيْهِ مَا تَكَارَاهَا بِهِ وَالْعُشْرُ كَمَا يَكُونُ عَلَيْهِ مَا تُكَارَى بِهِ أَرْضُ الْمُسْلِمِ وَالْعُشْرِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَلاَ أَعْرِفُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَالَحَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْجِزْيَةِ عَلَى شَيْءٍ إلَّا مَا أَصِفُ صَالَحَ أَهْلَ أَيْلَةَ عَلَى ثَلَثِمِائَةِ دِينَارٍ وَكَانَ عَدَدُهُمْ ثَلَثَمِائَةِ رَجُلٍ وَصَالَحَ نَصْرَانِيًّا بِمَكَّةَ يُقَالُ لَهُ مَوْهَبٌ عَلَى دِينَارٍ وَصَالَحَ ذِمَّةَ الْيَمَنِ عَلَى دِينَارٍ دِينَارٍ وَجَعَلَهُ عَلَى الْمُحْتَلِمِينَ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ وَأَحْسَبُ كَذَلِكَ جَعَلَهُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ وَإِنْ لَمْ يُحْكَ فِي الْخَبَرِ كَمَا حُكِيَ خَبَرُ الْيَمَنِ ثُمَّ صَالَحَ أَهْلَ نَجْرَانَ عَلَى حُلَلٍ يُؤَدُّونَهَا فَدَلَّ صُلْحُهُ إيَّاهُمْ عَلَى غَيْرِ الدَّنَانِيرِ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ مَا صَالَحُوا عَلَيْهِ وَصَالَحَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَهْلَ الشَّامِ عَلَى أَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ وَرَوَى عَنْهُ بَعْضُ الْكُوفِيِّينَ أَنَّهُ صَالَحَ الْمُوسِرَ مِنْ ذِمَّتِهِمْ عَلَى ثَمَانِيَةٍ وَأَرْبَعِينَ وَالْوَسَطَ عَلَى أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ وَاَلَّذِي دُونَهُ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا وَلاَ بَأْسَ بِمَا صَالَحَ عَلَيْهِ أَهْلَ الذِّمَّةِ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا إذَا كَانَ الْعَقْدُ عَلَى شَيْءٍ مُسَمًّى بِعَيْنِهِ وَإِنْ كَانَ أَضْعَافَ هَذَا وَإِذَا عَقَدَ لَهُمْ الْعَقْدَ عَلَى شَيْءٍ مُسَمًّى لَمْ يَجُزْ عِنْدِي أَنْ يُزَادَ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ فِيهِ بَالِغًا يُسْرُهُ مَا بَلَغَ وَإِنْ صَالَحُوا عَلَى ضِيَافَةٍ مَعَ الْجِزْيَةِ فَلاَ بَأْسَ وَكَذَلِكَ لَوْ صَالَحُوا عَلَى مَكِيلَةِ طَعَامٍ كَانَ ذَلِكَ كَمَا يُصَالِحُونَ عَلَيْهِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَلاَ تَكُونُ الْجِزْيَةُ إلَّا فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً وَلَوْ حَاصَرْنَا أَهْلَ مَدِينَةٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَعَرَضُوا عَلَيْنَا أَنْ يُعْطُونَا الْجِزْيَةَ لَمْ يَكُنْ لَنَا قِتَالُهُمْ إذَا أَعْطُونَاهَا وَأَنْ يَجْرِيَ عَلَيْهِمْ حُكْمُنَا وَإِنْ قَالُوا نُعْطِيكُمُوهَا وَلاَ يَجْرِي عَلَيْنَا حُكْمُكُمْ لِمَ لَمْ يَلْزَمْنَا أَنْ نَقْبَلَهَا مِنْهُمْ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} فَلَمْ أَسْمَعْ مُخَالِفًا فِي أَنَّ الصَّغَارَ أَنْ يَعْلُوَ حُكْمُ الْإِسْلاَمِ عَلَى حُكْمِ الشِّرْكِ وَيَجْرِي عَلَيْهِمْ وَلَنَا أَنْ نَأْخُذَ مِنْهُمْ مُتَطَوِّعِينَ وَعَلَى النَّظَرِ لِلْإِسْلاَمِ وَأَهْلِهِ وَإِنْ لَمْ يَجْرِ عَلَيْهِمْ الْحُكْمُ كَمَا يَكُونُ لَنَا تَرْكُ قِتَالِهِمْ وَلَوْ عَرَضُوا عَلَيْنَا أَنْ يُعْطُونَا الْجِزْيَةَ وَيَجْرِي عَلَيْهِمْ الْحُكْمُ فَاخْتَلَفْنَا نَحْنُ وَهُمْ فِي الْجِزْيَةِ فَقُلْنَا: لاَ نَقْبَلُ إلَّا كَذَا وَقَالُوا: لاَ نُعْطِيكُمْ إلَّا كَذَا رَأَيْت وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنْ يَلْزَمَنَا أَنْ نَقْبَلَ مِنْهُمْ دِينَارًا دِينَارًا لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَخَذَهُ مِنْ نَصْرَانِيٍّ بِمَكَّةَ مَقْهُورٍ وَمِنْ ذِمَّةِ الْيَمَنِ وَهُمْ مَقْهُورُونَ وَلَمْ يَلْزَمْنَا أَنْ نَأْخُذَ مِنْهُمْ أَقَلَّ مِنْهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ لِأَنَّا لَمْ نَجِدُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَ أَحَدًا مِنْ الْأَئِمَّةِ أَخَذَ مِنْهُمْ أَقَلَّ مِنْهُ وَاثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا فِي زَمَانِ عُمَرَ رضي الله تعالى عنه كَانَتْ دِينَارًا فَإِنْ كَانَ أَخَذَهَا فَهِيَ دِينَارٌ وَهِيَ أَقَلُّ مَا أُخِذَ وَنَزْدَادُ مِنْهُمْ مَا لَمْ نَعْقِدْ لَهُمْ شَيْئًا مِمَّا قَدَرْنَا عَلَيْهِ وَإِنْ كُنْت فِي الْعَقْدِ لَهُمْ أَنْ يُخَفِّفَ عَمَّنْ افْتَقَرَ مِنْهُمْ إلَى أَنْ يَجِدَ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْعُقْدَةَ كَانَ ذَلِكَ لاَزِمًا لَهُمْ وَالْبَالِغُونَ مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ الزَّمِنُ وَغَيْرُ الزَّمِنِ فَإِنْ أَعْوَزَ أَحَدُهُمْ بِجِزْيَتِهِ فَهِيَ دَيْنٌ عَلَيْهِ يُؤْخَذُ مِنْهُ مَتَى قَدَرَ عَلَيْهَا وَإِنْ غَابَ سِنِينَ ثُمَّ رَجَعَ أُخِذَتْ مِنْهُ لِتِلْكَ السِّنِينَ إذَا كَانَتْ غَيْبَتُهُ فِي بِلاَدِ الْإِسْلاَمِ وَالْحَقُّ لاَ يُوضَعُ عَنْ شَيْخٍ وَلاَ مُقْعَدٍ وَلَوْ حَالَ عَلَيْهِ حَوْلٌ أَوْ أَحْوَالٌ وَلَمْ تُؤْخَذْ مِنْهُ ثُمَّ أَسْلَمَ أُخِذَتْ مِنْهُ لِأَنَّهَا كَانَتْ لَزِمَتْهُ فِي حَالِ شِرْكِهِ فَلاَ يَضَعُ الْإِسْلاَمُ عَنْهُ دَيْنًا لَزِمَهُ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَجَبَ عَلَيْهِ لَيْسَ لِلْإِمَامِ تَرْكُهُ قَبْلَهُ كَمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ تَرْكُهُ قَبْلَهُ فِي حَالِ شِرْكِهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: لَسْت أَعْرِفُ مَا أَقُولُ فِي أَرْضِ السَّوَادِ إلَّا ظَنًّا مَقْرُونًا إلَى عِلْمٍ وَذَلِكَ أَنِّي وَجَدْت أَصَحَّ حَدِيثٍ يَرْوِيهِ الْكُوفِيُّونَ عِنْدَهُمْ فِي السَّوَادِ لَيْسَ فِيهِ بَيَانٌ وَوَجَدْت أَحَادِيثَ مِنْ أَحَادِيثِهِمْ تُخَالِفُهُ مِنْهَا أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: السَّوَادُ صُلْحٌ وَيَقُولُونَ السَّوَادُ عَنْوَةٌ وَيَقُولُونَ بَعْضُ السَّوَادِ صُلْحٌ وَبَعْضُهُ عَنْوَةٌ وَيَقُولُونَ: إنَّ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيَّ وَهَذَا أَثْبَتُ حَدِيثٍ عِنْدَهُمْ فِيهِ، أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنْ ابْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كَانَتْ بَجِيلَةُ رُبْعُ النَّاسِ فَقُسِمَ لَهُمْ رُبْعُ السَّوَادِ فَاسْتَغَلُّوهُ ثَلاَثَ أَوْ أَرْبَعَ سِنِينَ أَنَا شَكَكْت ثُمَّ قَدِمْت عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله تعالى عنه وَمَعِي فُلاَنَةُ ابْنَةُ فُلاَنٍ امْرَأَةٌ مِنْهُمْ لاَ يَحْضُرُنِي ذِكْرُ اسْمِهَا فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله تعالى عنه: لَوْلاَ أَنِّي قَاسِمٌ مَسْئُولٌ لَتَرَكْتُكُمْ عَلَى مَا قُسِمَ لَكُمْ وَلَكِنِّي أَرَى أَنْ تَرُدُّوا عَلَى النَّاسِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَكَانَ فِي حَدِيثِهِ وعاضني مِنْ حَقِّي فِيهِ نَيِّفًا وَثَمَانِينَ دِينَارًا وَكَانَ فِي حَدِيثِهِ فَقَالَتْ فُلاَنَةُ: قَدْ شَهِدَ أَبِي الْقَادِسِيَّةَ وَثَبَتَ سَهْمُهُ وَلاَ أُسَلِّمُهُ حَتَّى تُعْطِيَنِي كَذَا أَوْ تُعْطِيَنِي كَذَا فَأَعْطَاهَا إيَّاهُ قَالَ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلاَلَةٌ إذْ أَعْطَى جَرِيرًا الْبَجَلِيَّ عِوَضًا مِنْ سَهْمِهِ وَالْمَرْأَةَ عِوَضًا مِنْ سَهْمِ أَبِيهَا أَنَّهُ اسْتَطَابَ أَنْفُسَ الَّذِينَ أَوْجَفُوا عَلَيْهِ فَتَرَكُوا حُقُوقَهُمْ مِنْهُ فَجَعَلَهُ وَقْفًا لِلْمُسْلِمِينَ وَهَذَا حَلاَلٌ لِلْإِمَامِ لَوْ افْتَتَحَ الْيَوْمَ أَرْضًا عَنْوَةً فَأَحْصَى مَنْ افْتَتَحَهَا وَطَابُوا نَفْسًا عَنْ حُقُوقِهِمْ مِنْهَا أَنْ يَجْعَلَهَا الْإِمَامُ وَقْفًا وَحُقُوقُهُمْ مِنْهَا إلَّا الْأَرْبَعَةَ الْأَخْمَاسِ وَيُوفِي أَهْلَ الْخُمْسِ حُقُوقَهُمْ إلَّا أَنْ يَدَعَ الْبَالِغُونَ مِنْهُمْ حُقُوقَهُمْ فَيَكُونُ ذَلِكَ لَهُمْ وَالْحُكْمُ فِي الْأَرْضِ كَالْحُكْمِ فِي الْمَالِ وَقَدْ «سَبَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَوَازِنَ وَقَسَّمَ الْأَرْبَعَةَ الْأَخْمَاسَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ جَاءَتْهُ وُفُودُ هَوَازِنَ مُسْلِمِينَ فَسَأَلُوهُ أَنْ يَمُنَّ عَلَيْهِمْ بِأَنْ يُعْطِيَهُمْ مَا أُخِذَ مِنْهُمْ فَخَيَّرَهُمْ بَيْنَ الْأَمْوَالِ وَالسَّبْيِ فَقَالُوا: خَيَّرْتَنَا بَيْنَ أَحْسَابِنَا وَأَمْوَالِنَا فَنَخْتَارُ أَحْسَابَنَا فَتَرَكَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقَّهُ وَحَقَّ أَهْلِ بَيْتِهِ فَسَمِعَ بِذَلِكَ الْمُهَاجِرُونَ فَتَرَكُوا لَهُ حُقُوقَهُمْ فَسَمِعَ بِذَلِكَ الْأَنْصَارُ فَتَرَكُوا لَهُ حُقُوقَهُمْ ثُمَّ بَقِيَ قَوْمٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ الْآخَرِينَ وَالْفَتْحِيِّينَ فَأَمَرَ فَعَرَفَ عَلَى كُلِّ عَشَرَةٍ وَاحِدًا ثُمَّ قَالَ: ائْتُونِي بِطِيبِ أَنْفُسِ مَنْ بَقِيَ فَمَنْ كَرِهَ فَلَهُ عَلَيَّ كَذَا وَكَذَا مِنْ الْإِبِلِ إلَى وَقْتِ كَذَا فِجَاؤُهُ بِطِيبِ أَنْفُسِهِمْ إلَّا الْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ وَعُتَيْبَةَ بْنَ بَدْرٍ فَإِنَّهُمَا أَبَيَا لِيُعَيِّرَا هَوَازِنَ فَلَمْ يُكْرِهْهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى كَانَا هُمَا تَرَكَا بَعْدُ بِأَنْ خُدِعَ عُتَيْبَةَ عَنْ حَقِّهِ وَسَلَّمَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقَّ مَنْ طَابَ نَفْسًا عَنْ حَقِّهِ» وَهَذَا أَوْلَى الْأُمُورِ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَعَالَى عِنْدَنَا فِي السَّوَادِ وَفُتُوحِهِ إنْ كَانَتْ عَنْوَةً فَهُوَ كَمَا وَصَفْت ظَنَّ عَلَيْهِ دَلاَلَةَ يَقِينٍ وَإِنَّمَا مَنَعْنَا أَنْ نَجْعَلَهُ بِالدَّلاَلَةِ أَنَّ الْحَدِيثَ الَّذِي فِيهِ تَنَاقُضٌ لاَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قَسَمَ إلَّا عَنْ أَمْرِ عُمَرَ رضي الله تعالى عنه لِكِبَرِ قَدْرِهِ وَلَوْ تَفَوَّتَ عَلَيْهِ فِيهِ مَا انْبَغَى أَنْ يَغِيبَ عَنْهُ قَسْمُهُ ثَلاَثَ سِنِينَ وَلَوْ كَانَ الْقَسْمُ لَيْسَ لِمَنْ قَسَمَ لَهُ مَا كَانَ لَهُمْ مِنْهُ عِوَضٌ وَلَكَانَ عَلَيْهِمْ أَنْ تُؤْخَذَ مِنْهُمْ الْغَلَّةُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ كَيْفَ كَانَ وَلَمْ أَجِدْ فِيهِ حَدِيثًا يُثْبِتُ إنَّمَا أَجِدُهَا مُتَنَاقِضَةً وَاَلَّذِي هُوَ أَوْلَى بِعُمَرَ عِنْدِي الَّذِي وَصَفْت فَكُلُّ بَلَدٍ فُتِحَتْ عَنْوَةً فَأَرْضُهَا وَدَارُهَا كَدَنَانِيرِهَا وَدَرَاهِمِهَا وَهَكَذَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَيْبَرَ وَبَنِي قُرَيْظَةَ فَلِمَنْ أَوْجَفَ عَلَيْهَا أَرْبَعَةُ أَخْمَاسٍ وَالْخُمْسُ لِأَهْلِهِ مِنْ الْأَرْضِ وَالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ فَمَنْ طَابَ نَفْسًا عَنْ حَقِّهِ فَجَائِزٌ لِلْإِمَامِ حَلاَلٌ نَظَرًا لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَجْعَلَهُ وَقْفًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ تُقْسَمُ غَلَّتُهُ فِيهِمْ عَلَى أَهْلِ الْخَرَاجِ وَالصَّدَقَةِ وَحَيْثُ يَرَى الْإِمَامُ مِنْهُمْ وَمَنْ لَمْ يَطِبْ عَنْهُ نَفْسًا فَهُوَ أَحَقُّ بِحَقِّهِ وَأَيُّمَا أَرْضٍ فُتِحَتْ صُلْحًا عَلَى أَنَّ أَرْضَهَا لِأَهْلِهَا وَيُؤَدُّونَ عَنْهَا خَرَاجًا فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَخْذُهَا مِنْ أَيْدِي أَهْلِهَا وَعَلَيْهِمْ فِيهَا الْخَرَاجُ وَمَا أُخِذَ مِنْ خَرَاجِهَا فَهُوَ لِأَهْلِ الْفَيْءِ دُونَ أَهْلِ الصَّدَقَاتِ لِأَنَّهُ فَيْءٌ مِنْ مَالِ مُشْرِكٍ وَإِنَّمَا فُرِّقَ بَيْنَ هَذَا وَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَنَّ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مِنْ مُشْرِكٍ فَقَدْ مَلَكَ الْمُسْلِمُونَ رَقَبَةَ الْأَرْضِ فِيهِ فَلَيْسَ بِحَرَامٍ أَنْ يَأْخُذَهُ صَاحِبُ صَدَقَةٍ وَلاَ صَاحِبُ فَيْءٍ وَلاَ غَنِيٌّ وَلاَ فَقِيرٌ لِأَنَّهُ كَالصَّدَقَةِ الْمَوْقُوفَةِ يَأْخُذُهَا مَنْ وُقِفَتْ عَلَيْهِ مِنْ غَنِيٍّ وَفَقِيرٍ وَإِذَا كَانَتْ الْأَرْضُ صُلْحًا فَإِنَّهَا لِأَهْلِهَا وَلاَ بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَهَا مِنْهُمْ الْمُسْلِمُونَ بِكِرَاءٍ وَيَزْرَعُونَهَا كَمَا نَسْتَأْجِرُ مِنْهُمْ إبِلَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ وَرَقِيقَهُمْ وَمَا يَجُوزُ لَهُمْ إجَارَتُهُ مِنْهُمْ وَمَا دُفِعَ إلَيْهِمْ أَوْ إلَى السُّلْطَانِ بِوَكَالَتِهِمْ فَلَيْسَ بِصَغَارٍ عَلَيْهِمْ إنَّمَا هُوَ دَيْنٌ عَلَيْهِ يُؤَدِّيهِ وَالْحَدِيثُ الَّذِي يُرْوَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لاَ يَنْبَغِي لِمُسْلِمٍ أَنْ يُؤَدِّيَ خَرَاجًا وَلاَ لِمُشْرِكٍ أَنْ يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ» إنَّمَا هُوَ خَرَاجُ الْجِزْيَةِ وَلَوْ كَانَ خَرَاجُ الْكِرَاءِ مَا حَلَّ لَهُ أَنْ يَتَكَارَى مِنْ مُسْلِمٍ وَلاَ كَافِرٍ شَيْئًا وَلَكِنَّهُ خَرَاجُ الْجِزْيَةِ وَخَرَاجُ الْأَرْضِ إنَّمَا هُوَ كِرَاءٌ لاَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ النَّصْرَانِيُّ فَأَعْتَقَهُ وَهُوَ عَلَى النَّصْرَانِيَّةِ فَعَلَيْهِ الْجِزْيَةُ وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ النَّصْرَانِيُّ لِمُسْلِمٍ فَأَعْتَقَهُ الْمُسْلِمُ فَعَلَيْهِ الْجِزْيَةُ إنَّمَا نَأْخُذُ الْجِزْيَةَ بِالدَّيْنِ وَالنَّصْرَانِيُّ مِمَّنْ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ وَلاَ يَنْفَعُهُ أَنْ يَكُونَ مَوْلاَهُ مُسْلِمًا كَمَا لاَ يَنْفَعُهُ أَنْ يَكُونَ أَبُوهُ وَأُمُّهُ مُسْلِمَيْنِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: إذَا اتَّجَرَ الذِّمِّيُّ فِي بِلاَدِ الْإِسْلاَمِ إلَى أُفُقٍ مِنْ الْآفَاقِ فِي السَّنَةِ مِرَارًا لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً كَمَا لاَ تُؤْخَذُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ رحمه الله تعالى أَنَّهُ أَمَرَ فِيمَا ظَهَرَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَأَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُمْ شَيْءٌ وَقْتَهُ وَأَمَرَ أَنْ يُكْتَبَ لَهُمْ بَرَاءَةٌ إلَى مِثْلِهِ مِنْ الْحَوْلِ وَلَوْلاَ أَنَّ عُمَرَ أَخَذَهُ مِنْهُمْ مَا أَخَذْنَا مِنْهُمْ فَهُوَ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ أَخْذُهُ إيَّاهُ مِنْهُمْ عَلَى أَصْلِ صُلْحٍ أَنَّهُمْ إذَا اتَّجَرُوا أَخَذَ مِنْهُمْ وَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّهُ أَخَذَ مِنْ أَحَدٍ فِي سَنَةٍ مَرَّتَيْنِ وَلاَ أَكْثَرَ فَلَمَّا كَانَتْ الْجِزْيَةُ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا عِنْدَنَا فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً إلَّا أَنْ يَكُونُوا صُولِحُوا عِنْدَ الْفَتْحِ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَيَكُونُ لَنَا أَنْ نَأْخُذَ مِنْهُمْ مَا صُولِحُوا عَلَيْهِ وَلَسْنَا نَعْلَمُهُمْ صُولِحُوا عَلَى أَكْثَرَ وَيُؤْخَذُ مِنْهُمْ كَمَا أَخَذَ عُمَرُ رضي الله تعالى عنه مِنْ الْمُسْلِمِينَ رُبْعَ الْعُشْرِ وَمِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ نِصْفَ الْعُشْرِ وَمِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ الْعُشْرَ اتِّبَاعًا لَهُ عَلَى مَا أَخَذَهُ لاَ نُخَالِفُهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَإِذًا صَالَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُكَيْدِرَ الْغَسَّانِيَّ وَكَانَ نَصْرَانِيًّا عَرَبِيًّا عَلَى الْجِزْيَةِ وَصَالَحَ نَصَارَى نَجْرَانَ عَلَى الْجِزْيَةِ وَفِيهِمْ عَرَبٌ وَعَجَمٌ وَصَالَحَ ذِمَّةَ الْيَمَنِ عَلَى الْجِزْيَةِ وَفِيهِمْ عَرَبٌ وَعَجَمٌ وَاخْتَلَفَتْ الْأَخْبَارُ عَنْ عُمَرَ فِي نَصَارَى الْعَرَبِ مِنْ تَنُوخِ وَبَهْرَاءَ وَبَنِي تَغْلِبَ فَرَوَى عَنْهُ أَنَّهُ صَالَحَهُمْ عَلَى أَنْ تُضَاعَفَ عَلَيْهِمْ الصَّدَقَةُ وَلاَ يُكْرَهُوا عَلَى غَيْرِ دِينِهِمْ وَلاَ يَصْبُغُوا أَوْلاَدَهُمْ فِي النَّصْرَانِيَّةِ وَعَلَّمَنَا أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ جِزْيَتَهُمْ نِعَمًا ثُمَّ رَوَى أَنَّهُ قَالَ بَعْدَ مَا نَصَارَى الْعَرَبِ بِأَهْلِ كِتَابٍ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَعْدٍ الْفُلْجَة أَوْ ابْنِهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله تعالى عنه قَالَ: مَا نَصَارَى الْعَرَبِ بِأَهْلِ كِتَابٍ وَمَا تَحِلُّ لَنَا ذَبَائِحُهُمْ وَمَا أَنَا بِتَارِكِهِمْ حَتَّى يُسْلِمُوا أَوْ أَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ. قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: فَأَرَى لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمْ الْجِزْيَةَ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَهَا مِنْ النَّصَارَى مِنْ الْعَرَبِ كَمَا وَصَفْت وَأَمَّا ذَبَائِحُهُمْ فَلاَ أُحِبُّ أَكْلَهَا خَبَرًا عَنْ عُمَرَ وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَقَدْ نَأْخُذُ الْجِزْيَةَ مِنْ الْمَجُوسِ وَلاَ نَأْكُلُ ذَبَائِحَهُمْ فَلَوْ كَانَ مَنْ حَلَّ لَنَا أَخْذُ الْجِزْيَةِ مِنْهُ حَلَّ لَنَا أَكْلُ ذَبِيحَتِهِ أَكَلْنَا ذَبِيحَةَ الْمَجُوسِ وَلاَ نُنْكِرُ إذَا كَانَ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ حُكْمَانِ وَكَانَ أَحَدُ صِنْفَيْهِمْ تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ وَنِسَاؤُهُ وَالصِّنْفُ الثَّانِي مِنْ الْمَجُوسِ لاَ تَحِلُّ لَنَا ذَبِيحَتُهُ وَلاَ نِسَاؤُهُ وَالْجِزْيَةُ تَحِلُّ مِنْهُمَا مَعًا أَنْ يَكُونَ هَكَذَا فِي نَصَارَى الْعَرَبِ فَيَحِلُّ أَخْذُ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ وَلاَ تَحِلُّ ذَبَائِحُهُمْ وَاَلَّذِي يُرْوَى مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله تعالى عنهما فِي إحْلاَلِ ذَبَائِحِهِمْ إنَّمَا هُوَ مِنْ حَدِيثِ عِكْرِمَةَ أَخْبَرَنِيهِ ابْنُ الدَّرَاوَرْدِيِّ وَابْنُ أَبِي يَحْيَى عَنْ ثَوْرٍ الدَّيْلَمِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سَأَلَ عَنْ ذَبَائِحِ نَصَارَى الْعَرَبِ فَقَالَ قَوْلاً حَكْئًا هُوَ إحْلاَلُهَا وَتَلاَ «وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ» وَلَكِنَّ صَاحِبَنَا سَكَتَ عَنْ اسْمِ عِكْرِمَةَ وَثَوْرٌ لَمْ يَلْقَ ابْنَ عَبَّاسٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ رَجُلٍ أَنَّ عُمَرَ رضي الله تعالى عنه صَالَحَ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ عَلَى أَنْ لاَ يَصْبُغُوهُ أَبْنَاءَهُمْ وَلاَ يُكْرَهُوا عَلَى غَيْرِ دِينِهِمْ وَأَنْ تُضَاعَفَ عَلَيْهِمْ الصَّدَقَةُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَكَذَا حَفِظَ أَهْلُ الْمَغَازِي وَسَاقُوهُ أَحْسَنَ مِنْ هَذَا السِّيَاقِ فَقَالُوا: رَامَهُمْ عَلَى الْجِزْيَةِ فَقَالُوا: نَحْنُ عَرَبٌ وَلاَ نُؤَدِّي مَا تُؤَدِّي الْعَجَمُ وَلَكِنْ خُذْ مِنَّا كَمَا يَأْخُذُ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ يَعْنُونَ الصَّدَقَةَ فَقَالَ عُمَرُ رضي الله تعالى عنه: لاَ. هَذَا فَرْضٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَقَالُوا فَزِدْ مَا شِئْت بِهَذَا الِاسْمِ لاَ بِاسْمِ الْجِزْيَةِ فَفَعَلَ فَتَرَاضَى هُوَ وَهُمْ عَلَى أَنْ ضَعَّفَ عَلَيْهِمْ الصَّدَقَةَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلاَ أَعْلَمُهُ فَرَضَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ نَصَارَى الْعَرَبِ وَلاَ يَهُودِهَا الَّذِينَ صَالَحَ وَاَلَّذِينَ صَالَحَ بِنَاحِيَةِ الشَّامِ وَالْجَزِيرَةِ إلَّا هَذَا الْفَرْضَ فَأَرَى إذَا عَقَدَ لَهُمْ هَذَا أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُمْ عَلَيْهِ وَأَرَى لِلْإِمَامِ فِي كُلِّ دَهْرٍ إنْ امْتَنَعُوا أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَيْهِمْ بِمَا قُبِلَ مِنْهُمْ فَإِنْ قَبِلُوا أَخَذَهُ وَإِنْ امْتَنَعُوا جَاهَدَهُمْ عَلَيْهِ وَقَدْ وَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجِزْيَةَ عَلَى أَهْلِ الْيَمَنِ دِينَارًا عَلَى كُلِّ حَالِمٍ، وَالْحَالِمُ الْمُحْتَلِمُ، وَكَذَلِكَ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ وَفِيهِمْ عَرَبٌ وَصَالَحَ نَصَارَى نَجْرَانَ عَلَى كِسْوَةٍ تُؤْخَذُ مِنْهُمْ وَكَذَلِكَ تُؤْخَذُ مِنْهُمْ وَفِي هَذَا دَلاَلَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنْ تُؤْخَذَ الْجِزْيَةُ عَلَى مَا صَالَحُوا عَلَيْهِ وَالْأُخْرَى أَنَّهُ لَيْسَ لِمَا صَالَحُوا عَلَيْهِ وَقْتٌ إلَّا مَا تَرَاضَوْا عَلَيْهِ كَائِنًا مَا كَانَ وَإِذَا ضُعِّفَتْ عَلَيْهِمْ الصَّدَقَةُ فَانْظُرْ إلَى مَوَاشِيهِمْ وَأَطْعِمَتِهِمْ وَذَهَبِهِمْ وَوَرِقِهِمْ وَمَا أَصَابُوا مِنْ مَعَادِنِ بِلاَدِهِمْ وَرِكَازِهَا كُلُّ مَا أَخَذْت فِيهِ مِنْ مُسْلِمٍ خَمْسًا فَخُذْ مِنْهُمْ خَمْسِينَ وَعُشْرًا فَخُذْ مِنْهُمْ عِشْرِينَ وَنِصْفَ عُشْرٍ فَخُذْ مِنْهُمْ عُشْرًا وَرُبْعَ عُشْرٍ فَخُذْ مِنْهُمْ نِصْفَ عُشْرٍ وَعَدَدًا مِنْ الْمَاشِيَةِ فَخُذْ مِنْهُمْ ضِعْفَ ذَلِكَ الْعَدَدِ ثُمَّ هَكَذَا صَدَقَاتُهُمْ لاَ تَخْتَلِفُ وَلاَ تُؤْخَذُ مِنْهُمْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ حَتَّى يَكُونَ لِأَحَدِهِمْ مِنْ النِّصْفِ مِنْ الْمَالِ مَا لَوْ كَانَ لِمُسْلِمٍ وَجَبَ فِيهِ الزَّكَاةُ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ ضَعَّفَ عَلَيْهِمْ الزَّكَاةَ وَقَدْ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَعَ الْجِزْيَةَ عَنْ النِّسَاءِ وَالصِّغَارِ لِأَنَّهُ إذَا قَالَ: خُذْ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا فَقَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ وَضَعَ عَمَّنْ دُونَ الْحَالِمِ وَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لاَ يُؤْخَذُ مِنْ النِّسَاءِ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ مَعَهُمْ مِنْ الْعَرَبِ لِأَنَّهُ لاَ يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْهُمْ عَلَى الصَّدَقَةِ وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ عَلَى الْجِزْيَةِ وَإِنْ نُحِّيَ عَنْهُمْ مِنْ اسْمِهَا وَلاَ يُكْرَهُونَ عَلَى دِينٍ غَيْرِ دِينِهِمْ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ أُكَيْدِرَ دُومَةَ وَهُوَ عَرَبِيٌّ وَأَخَذَهَا مِنْ عَرَبِ الْيَمَنِ وَنَجْرَانَ وَأَخَذَهَا الْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ مِنْهُمْ وَأَخَذَهَا مِنْهُمْ عَلَى أَنْ لاَ يَأْكُلُوا ذَبَائِحَهُمْ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ سُفْيَانُ أَوْ عَبْدُ الْوَهَّابِ أَوْ هُمَا عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ عُبَيْدَة السَّلْمَانِيِّ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ رضي الله تعالى عنه لاَ تَأْكُلُوا ذَبَائِحَ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَتَمَسَّكُوا مِنْ نَصْرَانِيَّتِهِمْ أَوْ مِنْ دِينِهِمْ إلَّا بِشُرْبِ الْخَمْرِ- شَكَّ الشَّافِعِيُّ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنَّمَا تَرَكْنَا أَنْ نُجْبِرَهُمْ عَلَى الْإِسْلاَمِ أَوْ نَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ نَصَارَى الْعَرَبِ وَأَنَّ عُثْمَانَ وَعُمَرَ وَعَلِيًّا قَدْ أَقَرُّوهُمْ وَإِنْ كَانَ عُمَرُ قَدْ قَالَ هَكَذَا وَكَذَلِكَ لاَ يَحِلُّ لَنَا نِكَاحُ نِسَائِهِمْ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إنَّمَا أَحَلَّ لَنَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ عَلَيْهِمْ نَزَلَ وَجَمِيعُ مَا أُخِذَ مِنْ ذِمِّيٍّ عَرَبِيٍّ وَغَيْرِهِ فَمَسْلَكُهُ مَسْلَكُ الْفَيْءِ وَقَالَ: مَا اتَّجَرَ بِهِ نَصَارَى الْعَرَبِ وَأَهْلُ ذِمَّتِهِمْ فَإِنْ كَانُوا يَهُودًا فَسَوَاءٌ تُضَاعَفُ عَلَيْهِمْ فِيهِ الصَّدَقَةُ وَمَا اتَّجَرَ بِهِ نَصَارَى بَنِي إسْرَائِيلَ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَقَدْ رَوَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله تعالى عنه فِيهِمْ أَنَّهُ أَخَذَ مِنْهُمْ فِي بَعْضِ تِجَارَاتِهِمْ الْعُشْرَ وَفِي بَعْضِهَا نِصْفَ الْعُشْرِ وَهَذَا عِنْدَنَا مِنْ عُمَرَ أَنَّهُ صَالَحَهُمْ عَلَيْهِ كَمَا صَالَحَهُمْ عَلَى الْجِزْيَةِ الْمُسَمَّاةِ وَلَسْت أَعْرِفُ الَّذِينَ صَالَحَهُمْ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الَّذِينَ لَمْ يُصَالِحْهُمْ فَعَلَى إمَامِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُفَرِّقَ الْكُتُبَ فِي الْآفَاقِ وَيَحْكِيَ لَهُمْ مَا صَنَعَ عُمَرُ فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِي مَنْ صَنَعَ بِهِ ذَلِكَ مِنْهُمْ دُونَ غَيْرِهِ فَإِنْ رَضُوا بِهِ أَخَذَهُ مِنْهُمْ وَإِنْ لَمْ يَرْضَوْا بِهِ جَدَّدَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ صُلْحًا فِيهِ كَمَا يُجَدَّدُ فِيمَنْ ابْتَدَأَ صُلْحَهُ مِمَّنْ دَخَلَ فِي الْجِزْيَةِ الْيَوْمَ وَإِنْ صَالَحُوا عَلَى أَنْ يُؤَدُّوا فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً مِنْ غَيْرِ بُلْدَانِهِمْ فَكَذَلِكَ وَإِنْ صَالَحُوا أَنْ نَأْخُذَ مِنْهُمْ كُلَّمَا اخْتَلَفُوا وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي السَّنَةِ مِرَارًا فَذَلِكَ وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي لِإِمَامِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُجَدِّدَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ فِي الضِّيَافَةِ صُلْحًا فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رضي الله تعالى عنه أَنَّهُ جَعَلَ عَلَيْهِمْ ضِيَافَةَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ جَعَلَ ضِيَافَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَإِذَا جَدَّدَ عَلَيْهِمْ الصُّلْحَ فِي الضِّيَافَةِ جَدَّدَ بِأَمْرٍ بَيْنَ أَنْ يُضِيفَ الرَّجُلَ الْمُوسِرَ كَذَا وَالْوَسَطَ كَذَا وَلاَ يُضَيِّفُ الْفَقِيرَ وَلاَ الصَّبِيَّ وَلاَ الْمَرْأَةَ وَإِنْ كَانَا غَنِيَّيْنِ لِأَنَّهُ لاَ تُؤْخَذُ مِنْهُمْ الْجِزْيَةُ وَالضِّيَافَةُ صِنْفٌ مِنْهَا وَسَمَّى أَنْ يُطْعِمُوهُمْ خُبْزَ كَذَا بِأُدْمِ كَذَا وَيَعْلِفُوا دَوَابَّهُمْ مِنْ التِّبْنِ كَذَا وَمِنْ الشَّعِيرِ كَذَا حَتَّى يَعْرِفَ الرَّجُلُ عَدَدَ مَا عَلَيْهِ إذَا نَزَلَ بِهِ لَيْسَ أَنْ يَنْزِلَ بِهِ الْعَسَاكِرُ فَيُكَلَّفُ ضِيَافَتُهُمْ وَلاَ يَحْتَمِلُهَا وَهِيَ مُجْحِفَةٌ بِهِ وَكَذَلِكَ يُسَمِّي أَنْ يَنْزِلَهُمْ مِنْ مَنَازِلِهِمْ الْكَنَائِسَ أَوْ فُضُولَ مَنَازِلِهِمْ أَوْ هُمَا مَعًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: حَيْثُمَا زَرَعَ النَّصْرَانِيُّ مِنْ نَصَارَى الْعَرَبِ ضُعِّفَ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ كَمَا وَصَفْت وَحَيْثُمَا زَرَعَ النَّصْرَانِيُّ الْإِسْرَائِيلِيُّ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِي زَرْعِهِ شَيْءٌ وَإِنَّمَا الْخَرَاجُ كِرَاءُ الْأَرْضِ كَمَا لَوْ تَكَارَى أَرْضًا مِنْ رَجُلٍ فَزَرَعَهَا أَدَّى الْكِرَاءَ وَالْعُشْرَ وَالنَّصْرَانِيُّ مِنْ نَصَارَى الْعَرَبِ إذَا زَرَعَ الْخَرَاجَ ضَعَّفْت عَلَيْهِ الْعُشْرَ وَأَخَذْت مِنْهُ الْخَرَاجَ وَإِذَا قَدِمَ الْمُسْتَأْمَنُ مِنْ أَرْضِ الْحَرْبِ فَكَانَ عَلَى النَّصْرَانِيَّةِ أَوْ الْمَجُوسِيَّةِ أَوْ الْيَهُودِيَّةِ فَنَكَحَ وَزَرَعَ فَلاَ خَرَاجَ عَلَيْهِ وَيُقَالُ لَهُ: إنْ أَرَدْت الْمُقَامَ فَصَالِحْنَا عَلَى أَنْ تُؤَدِّيَ الْجِزْيَةَ وَجِزْيَتُهُ عَلَى مَا صَالَحَ عَلَيْهِ وَإِنْ أَبَى الصُّلْحَ أُخْرِجَ وَإِنْ غَفَلَ عَنْهُ سَنَةً أَوْ سِنِينَ فَلاَ خَرَاجَ عَلَيْهِ وَلاَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ إلَّا بِصُلْحِهِ وَنَمْنَعُهُ الزَّرْعَ إلَّا بِأَنْ يُؤَدِّيَ عَنْهُ مَا صَالَحَ عَلَيْهِ وَإِنْ غَفَلَ حَتَّى يَصْرِمَهُ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ شَيْءٌ وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَأْمَنُ وَثَنِيًّا لَمْ يُتْرَكْ حَتَّى يُقِيمَ فِي دَارِ الْإِسْلاَمِ سَنَةً وَلَمْ تُؤْخَذْ مِنْهُ جِزْيَةٌ وَإِنْ غَفَلَ عَنْهُ حَتَّى زَرَعَ سَنَةً أَوْ أَكْثَرَ دَفَعَ إلَيْهِ وَأَخْرَجَ وَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مُسْتَأْمَنَةً فَتَزَوَّجَتْ فِي بِلاَدِ الْإِسْلاَمِ ثُمَّ أَرَادَتْ الرُّجُوعَ إلَى بِلاَدِ الْحَرْبِ فَذَلِكَ إلَى زَوْجِهَا إنْ شَاءَ أَنْ يَدَعَهَا تَرَكَهَا وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَحْبِسَهَا حَبَسْنَاهَا لَهُ بِسُلْطَانِ الزَّوْجِ عَلَى حَبْسِ امْرَأَتِهِ لاَ يُغَيِّرُ ذَلِكَ وَمَتَى طَلَّقَهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا فَلَهَا أَنْ تَرْجِعَ فَإِنْ كَانَ لَهَا مِنْهُ وَلَدٌ فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُخْرِجَ أَوْلاَدَهُ إلَى دَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّ ذِمَّتَهُمْ ذِمَّةُ أَبِيهِمْ وَلَهَا أَنْ تَخْرُجَ بِنَفْسِهَا وَإِذَا أَبَقَ الْعَبْدُ إلَى بِلاَدِ الْعَدُوِّ ثُمَّ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ أَوْ أَغَارَ الْعَدُوُّ عَلَى بِلاَدِ الْإِسْلاَمِ فَسَبَوْا عَبِيدًا وَظَهَرَ عَلَيْهِمْ الْمُسْلِمُونَ فَاقْتَسَمُوا الْعَبِيدَ أَوْ لَمْ يَقْتَسِمُوا فَسَادَتُهُمْ أَحَقُّ بِهِمْ بِلاَ قِيمَةٍ وَلاَ يَكُونُ الْعَدُوُّ يَمْلِكُونَ عَلَى مُسْلِمٍ شَيْئًا إذَا لَمْ يَمْلِكْ الْمُسْلِمُ بِالْغَلَبَةِ فَالْمُشْرِكُ الَّذِي هُوَ خَوَلٌ لِلْمُسْلِمِ إذَا قَدَرَ عَلَيْهِ أَوْلَى أَنْ لاَ يَمْلِكَ عَلَى مُسْلِمٍ وَلاَ يَعْدُو الْمُشْرِكُونَ فِيمَا غَلَبُوا عَلَيْهِ أَنْ يَكُونُوا مَالِكِينَ لَهُمْ كَمِلْكِهِمْ لِأَمْوَالِهِمْ فَإِذَا كَانَ هَذَا هَكَذَا مَلَكُوا الْحُرَّ وَأُمَّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبَ وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الرَّقِيقِ وَالْأَمْوَالِ ثُمَّ لَمْ يَكُنْ لِسَيِّدٍ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلاَءِ أَنْ يَأْخُذَهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ بِلاَ قِيمَةٍ وَلاَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ بِقِيمَةٍ كَمَا لاَ يَكُونُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ سَائِرَ أَمْوَالِ الْعَدُوِّ أَوْ لاَ يَكُونُ مِلْكُ الْعَدُوِّ مِلْكًا فَيَكُونُ كُلُّ امْرِئٍ عَلَى أَصْلِ مِلْكِهِ وَمَنْ قَالَ: لاَ يَمْلِكُ الْعَدُوُّ الْحُرَّ وَلاَ الْمُكَاتَبَ وَلاَ أُمَّ الْوَلَدِ وَلاَ الْمُدَبَّرَةَ وَهُوَ يَمْلِكُ مَا سِوَاهُنَّ فَهُوَ يَتَحَكَّمُ ثُمَّ يَزْعُمُ أَنَّهُمْ يَمْلِكُونَ مِلْكًا مُحَالاً فَيَقُولُ: يَمْلِكُونَهُ وَإِنْ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ الْمُسْلِمُونَ فَأَدْرَكَهُ سَيِّدُهُ قَبْلَ الْقَسْمِ فَهُوَ لَهُ بِلاَ شَيْءٍ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَسْمِ فَهُوَ لَهُ إنْ شَاءَ بِالْقِيمَةِ فَهَؤُلاَءِ مَلَكُوهُ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَهَلْ فِيمَا ذَكَرْت حُجَّةٌ لِمَنْ قَالَهُ؟ قِيلَ: لاَ إلَّا شَيْءٌ يُرْوَى لاَ يَثْبُتُ مِثْلُهُ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ عَنْ عُمَرَ رضي الله تعالى عنه فَإِنْ قَالَ: فَهَلْ لَك حُجَّةٌ بِأَنَّهُمْ لاَ يَمْلِكُونَ بِحَالٍ؟ قُلْنَا: الْمَعْقُولُ فِيهِ مَا وَصَفْنَا وَإِنَّمَا الْحُجَّةُ عَلَى مَنْ خَالَفَنَا وَلَنَا فِيهِ حُجَّةٌ بِمَا لاَ يَنْبَغِي خِلاَفُهُ مِنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الثَّابِتَةِ وَهُوَ يُرْوَى عَنْ أَبِي بَكْرٍ رضي الله تعالى عنه، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ وَعَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ عَنْ عُمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله تعالى عنه «أَنَّ قَوْمًا أَغَارُوا فَأَصَابُوا امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ وَنَاقَةً لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَتْ الْمَرْأَةُ وَالنَّاقَةُ عِنْدَهُمْ ثُمَّ انْفَلَتَتْ الْمَرْأَةُ فَرَكِبَتْ النَّاقَةَ فَأَتَتْ الْمَدِينَةَ فَعُرِفَتْ نَاقَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ إنِّي نَذَرْت لَئِنْ نَجَّانِي اللَّهُ عَلَيْهَا لاََنْحَرَنَّهَا فَمَنَعُوهَا أَنْ تَنْحَرَهَا حَتَّى يَذْكُرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ بِئْسَمَا جَزَيْتِهَا إنْ نَجَّاك اللَّهُ عَلَيْهَا ثُمَّ تَنْحَرِيهَا لاَ نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ وَلاَ فِيمَا لاَ يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ» وَقَالاَ مَعًا أَوْ أَحَدُهُمَا فِي الْحَدِيثِ وَأَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاقَتَهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَقَدْ أَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاقَتَهُ بَعْدَمَا أَحْرَزَهَا الْمُشْرِكُونَ وَأَحْرَزَتْهَا الْأَنْصَارِيَّةُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانَتْ الْأَنْصَارِيَّةُ أَحْرَزَتْ عَلَيْهِمْ شَيْئًا لَيْسَ لِمَالِكٍ كَانَ لَهَا فِي قَوْلِنَا أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ وَخُمْسُهُ لِأَهْلِ الْخُمْسِ وَفِي قَوْلِ غَيْرِنَا كَانَ لَهَا مَا أَحْرَزَتْ لاَ خُمْسَ فِيهِ وَقَدْ أَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا لاَ تَمْلِكُ مَالَهُ وَأَخَذَ مَالَهُ بِلاَ قِيمَةٍ أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ بُكَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ لاَ أَحْفَظُ عَمَّنْ رَوَاهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رضي الله عنه قَالَ فِيمَا أَحْرَزَ الْعَدُوُّ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ مِمَّا غَلَبُوا عَلَيْهِ أَوْ أَبَقَ إلَيْهِمْ ثُمَّ أَحْرَزَهُ الْمُسْلِمُونَ مَالِكُوهُ أَحَقُّ بِهِ قَبْلَ الْقَسْمِ وَبَعْدَهُ فَإِنْ اُقْتُسِمَ فَلِصَاحِبِهِ أَخْذُهُ مِنْ يَدَيْ مَنْ صَارَ فِي سَهْمِهِ وَعُوِّضَ الَّذِي صَارَ فِي سَهْمِهِ قِيمَتَهُ مِنْ خُمْسِ الْخُمْسِ وَهَكَذَا حُرٌّ إنْ اُقْتُسِمَ ثُمَّ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى حُرِّيَّتِهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمُسْلِمُونَ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ» قَالَ: فَإِذَا أَمَّنَ مُسْلِمٌ بَالِغٌ حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ يُقَاتِلُ أَوْ لاَ يُقَاتِلُ أَوْ امْرَأَةٌ فَالْأَمَانُ جَائِزٌ وَإِذَا أَمَّنَ مَنْ دُونَ الْبَالِغِينَ وَالْمَعْتُوهِ قَاتَلُوا أَوْ لَمْ يُقَاتِلُوا لَمْ نُجِزْ أَمَانَهُمْ وَكَذَلِكَ إنْ أَمَّنَ ذِمِّيٌّ قَاتَلَ أَوْ لَمْ يُقَاتِلْ لَمْ نُجِزْ أَمَانَهُ وَإِنْ أَمَّنَ وَاحِدٌ مِنْ هَؤُلاَءِ فَخَرَجُوا إلَيْنَا بِأَمَانٍ فَعَلَيْنَا رَدُّهُمْ إلَى مَأْمَنِهِمْ وَلاَ نَعْرِضُ لَهُمْ فِي مَالٍ وَلاَ نَفْسٍ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُمْ لَيْسُوا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ مَنْ فِي عَسْكَرِنَا مِمَّنْ يَجُوزُ أَمَانُهُ وَلاَ يَجُوزُ وَنَنْبِذُ إلَيْهِمْ فَنُقَاتِلُهُمْ وَإِذَا أَشَارَ إلَيْهِمْ الْمُسْلِمُ بِشَيْءٍ يَرَوْنَهُ أَمَانًا فَقَالَ أَمَّنْتُهُمْ بِالْإِشَارَةِ فَهُوَ أَمَانٌ فَإِنْ قَالَ: لَمْ أُؤَمِّنْهُمْ بِهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ شَيْئًا فَلَيْسُوا بِآمَنِينَ إلَّا أَنْ يُجَدِّدَ لَهُمْ الْوَالِي أَمَانًا وَعَلَى الْوَالِي إذَا مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُبَيِّنَ أَوْ قَالَ وَهُوَ حَيٌّ لَمْ أُؤَمِّنْهُمْ أَنْ يَرُدَّهُمْ إلَى مَأْمَنِهِمْ وَيَنْبِذَ إلَيْهِمْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} فَحَقَنَ اللَّهُ دِمَاءَ مَنْ لَمْ يَدِنْ دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ بِالْإِيمَانِ لاَ غَيْرِهِ وَحَقَنَ دِمَاءَ مَنْ دَانَ دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ بِالْإِيمَانِ أَوْ إعْطَاءِ الْجِزْيَةِ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ وَالصَّغَارُ أَنْ يَجْرِيَ عَلَيْهِمْ الْحُكْمُ لاَ أَعْرِفُ مِنْهُمْ خَارِجًا مِنْ هَذَا مِنْ الرِّجَالِ «وَقَتَلَ يَوْمَ حُنَيْنٍ دُرَيْدُ بْنُ الصِّمَّةِ ابْنَ مِائَةٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً فِي شِجَارٍ لاَ يَسْتَطِيعُ الْجُلُوسَ فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُنْكِرْ قَتْلَهُ» وَلاَ أَعْرِفُ فِي الرُّهْبَانِ خِلاَفٌ أَنْ يُسْلِمُوا أَوْ يُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ أَوْ يُقْتَلُوا وَرُهْبَانُ الدِّيَارَاتِ وَالصَّوَامِعِ وَالْمَسَاكِنِ سَوَاءٌ وَلاَ أَعْرِفُ مَا يُثْبِتُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه خِلاَفَ هَذَا وَلَوْ كَانَ يَثْبُتُ لَكَانَ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ أَمَرَهُمْ بِالْجَدِّ عَلَى قِتَالِ مَنْ يُقَاتِلُهُمْ وَأَنْ لاَ يَتَشَاغَلُوا بِالْمُقَامِ عَلَى صَوَامِعِ هَؤُلاَءِ كَمَا يُؤْمَرُونَ أَنْ لاَ يُقِيمُوا عَلَى الْحُصُونِ وَأَنْ يَسِيحُوا لِأَنَّهَا تَشْغَلُهُمْ وَأَنْ يَسِيحُوا لِأَنَّ ذَلِكَ أَنْكَى لِلْعَدُوِّ وَلَيْسَ أَنَّ قِتَالَ أَهْلِ الْحُصُونِ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِمْ وَذَلِكَ أَنَّ مُبَاحًا لَهُمْ أَنْ يُتْرَكُوا وَلاَ يُقْتَلُوا كَانَ التَّشَاغُلُ بِقِتَالِ مَنْ يُقَاتِلُهُمْ أَوْلَى بِهِمْ وَكَمَا يُرْوَى عَنْهُ أَنَّهُ نَهَى عَنْ قَطْعِ الشَّجَرِ الْمُثْمِرِ وَلَعَلَّهُ لاَ يَرَى بَأْسًا بِقَطْعِ الشَّجَرِ الْمُثْمِرِ لِأَنَّهُ قَدْ حَضَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْطَعُ الشَّجَرَ الْمُثْمِرَ عَلَى بَنِي النَّضِيرِ وَأَهْلِ خَيْبَرَ وَالطَّائِفِ وَحَضَرَهُ يَتْرُكُ وَعَلِمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ وَعَدَ بِفَتْحِ الشَّامِ فَأَمَرَهُمْ بِتَرْكِ قَطْعِهِ لِتَبْقَى لَهُمْ مَنْفَعَتُهُ إذْ كَانَ وَاسِعًا لَهُمْ تَرْكُ قَطْعِهِ وَتُسْبَى نِسَاءُ الدِّيَارَاتِ وَصِبْيَانِهِمْ وَتُؤْخَذُ أَمْوَالُهُمْ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَيُقْتَلُ الْفَلَّاحُونَ وَالْأُجَرَاءُ وَالشُّيُوخُ الْكِبَارُ حَتَّى يُسْلِمُوا أَوْ يُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رضي الله عنه: وَأَمْوَالُ أَهْلِ الْحَرْبِ مَالاَنِ: فَمَالٌ يُغْصَبُونَ عَلَيْهِ وَيُتَمَوَّلُ عَلَيْهِمْ فَسَوَاءٌ مَنْ غَصَبَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ حَرْبِيٍّ مِنْهُمْ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ وَإِذَا أَسْلَمُوا مَعًا أَوْ بَعْضُهُمْ قَبْلَ بَعْضٍ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْغَاصِبِ لَهُمْ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا لِأَنَّ أَمْوَالَهُمْ كَانَتْ مُبَاحَةً غَيْرَ مَمْنُوعَةٍ بِإِسْلاَمِهِمْ وَلاَ ذِمَّتِهِمْ وَلاَ أَمَانَ لَهُمْ وَلاَ لِأَمْوَالِهِمْ مِنْ خَاصٍّ وَلاَ عَامٍّ، وَمَالٌ لَهُ أَمَانٌ وَمَا كَانَ مِنْ الْمَالِ لَهُ أَمَانٌ فَلَيْسَ لِلَّذِي أَمَّنَ صَاحِبَهُ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْهُ بِحَالٍ وَعَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُ فَلَوْ أَنَّ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ أَوْدَعَ مُسْلِمًا أَوْ حَرْبِيًّا فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ فِي بِلاَدِ الْإِسْلاَمِ وَدِيعَةً وَأَبْضَعَ مِنْهُ بِضَاعَةً فَخَرَجَ الْمُسْلِمُ مِنْ بِلاَدِ الْحَرْبِ إلَى بِلاَدِ الْإِسْلاَمِ أَوْ الْحَرْبِيُّ فَأَسْلَمَ كَانَ عَلَيْهِمَا مَعًا أَنْ يُؤَدِّيَا إلَى الْحَرْبِيِّ مَالَهُ كَمَا يَكُونُ عَلَيْنَا لَوْ أَمَّنَّاهُ عَلَى مَالِهِ أَنْ لاَ نَعْرِضَ لِمَالِهِ الْوَدِيعَةُ إذَا أُودِعْنَا أَوْ أُبْضِعَ مَعَنَا فَذَلِكَ أَمَانٌ مِنْهُ لَنَا وَمِثْلُ أَمَانِهِ عَلَى مَالِهِ أَوْ أَكْثَرُ وَهَكَذَا الدَّيْنُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: فِي الْأَمَةِ لِلْمُسْلِمِ يَسْبِيهَا الْعَدُوُّ فَيَطَؤُهَا رَجُلٌ مِنْهُمْ فَتَلِدُ لَهُ أَوْلاَدًا وَيُولَدُ لِأَوْلاَدِهَا أَوْلاَدٌ فيتناتجون ثُمَّ يَظْهَرُ عَلَيْهِمْ الْمُسْلِمُونَ فَإِنَّهُ يَأْخُذُهَا سَيِّدُهَا وَأَوْلاَدَهَا الَّذِينَ وَلَدَتْهُمْ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَنَنْظُرُ إلَى أَوْلاَدِ أَوْلاَدِهَا فَنَأْخُذُ بَنِي بَنَاتِهَا وَلاَ نَأْخُذُ بَنِي بَنِيهَا مِنْ قِبَلِ أَنَّ الرِّقَّ إنَّمَا يَكُونُ بِالْأُمِّ لاَ بِالْأَبِ كَمَا يَنْكِحُ الْحُرُّ الْأَمَةَ فَيَكُونُ وَلَدُهُ رَقِيقًا وَكَمَا يَنْكِحُ الْعَبْدُ الْحُرَّةَ فَيَكُونُ وَلَدُهُ كُلُّهُمْ أَحْرَارًا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رضي الله عنه فِي عِلْجٍ دَلَّ قَوْمًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى قَلْعَةٍ عَلَى أَنْ يُعْطُوهُ جَارِيَةً سَمَّاهَا فَلَمَّا انْتَهَوْا إلَى الْقَلْعَةِ صَالَحَ صَاحِبُ الْقَلْعَةِ عَلَى أَنْ يَفْتَحَهَا لَهُمْ وَيُخَلُّوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِهِ فَفَعَلَ فَإِذَا أَهْلُهُ تِلْكَ الْجَارِيَةُ فَأَرَى أَنْ يُقَالَ لِلدَّلِيلِ إنْ رَضِيت الْعِوَضَ عَوَّضْنَاك قِيمَتَهَا وَإِنْ لَمْ تَرْضَ الْعِوَضَ فَقَدْ أَعْطَيْنَا مَا صَالَحْنَاك عَلَيْهِ غَيْرَك فَإِنْ رَضِيَ الْعِوَضَ أُعْطِيهِ وَتَمَّ الصُّلْحُ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الْعِوَضَ قِيلَ لِصَاحِبِ الْقَلْعَةِ: قَدْ صَالَحْنَا هَذَا عَلَى شَيْءٍ صَالَحْنَاك عَلَيْهِ بِجَهَالَةٍ مِنَّا بِهِ فَإِنْ سَلَّمْت إلَيْهِ عَوَّضْنَاك مِنْهُ وَإِنْ لَمْ تُسَلِّمْهُ إلَيْهِ نَبَذْنَا إلَيْك وَقَاتَلْنَاك وَإِنْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ قَدْ أَسْلَمَتْ قَبْلَ أَنْ يُظْفَرَ بِهَا فَلاَ سَبِيلَ إلَيْهَا وَيُعْطَى قِيمَتَهَا وَإِنْ مَاتَتْ عُوِّضَ مِنْهَا بِالْقِيمَةِ وَلاَ يَبِينُ فِي الْمَوْتِ كَمَا يَبِينُ إذَا أَسْلَمَتْ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: فِي الْأَسِيرِ يُكْرَهُ عَلَى الْكُفْرِ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ: لاَ تَبِينُ مِنْهُ امْرَأَتُهُ وَإِنْ تَكَلَّمَ بِالشِّرْكِ وَلاَ يَحْرُمُ مِيرَاثُهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَلاَ يُحْرَمُونَ مِيرَاثَهُمْ مِنْهُ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ مُكْرَهًا وَعِلْمُهُمْ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ قَبْلَ قَوْلِهِ أَوْ مَعَ قَوْلِهِ أَوْ بَعْدَ قَوْلِهِ: إنِّي إنَّمَا قُلْت ذَلِكَ مُكْرَهًا، وَكَذَلِكَ مَا أَكْرَهُوا عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ ضُرِّ أَحَدٍ مِنْ أَكْلِ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ أَوْ دُخُولِ كَنِيسَةٍ فَفَعَلَ وَسِعَهُ ذَلِكَ وَأَكْرَهُ لَهُ أَنْ يَشْرَبَ الْخَمْرَ لِأَنَّهَا تَمْنَعُهُ مِنْ الصَّلاَةِ وَمَعْرِفَةِ اللَّهِ إذَا سَكِرَ وَلاَ يُبَيِّنُ أَنَّ ذَلِكَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ وَإِذَا وُضِعَ عَنْهُ الشِّرْكُ بِالْكُرْهِ وُضِعَ عَنْهُ مَا دُونَهُ مِمَّا لاَ يَضُرُّ أَحَدًا وَلَوْ أَكْرَهُوهُ عَلَى أَنْ يَقْتُلَ مُسْلِمًا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رضي الله عنه فِي رَجُلٍ أُسِرَ فَتَنَصَّرَ وَلَهُ امْرَأَةٌ فَمَرَّ بِهِ قَوْمٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَأَشْرَفَ عَلَيْهِمْ وَهُوَ فِي الْحِصْنِ فَقَالَ: إنَّمَا تَنَصَّرْت بِلِسَانِي وَأَنَا أُصَلِّي إذَا خَلَوْت فَهَذَا مُكْرَهٌ وَلاَ تَبِينُ مِنْهُ امْرَأَتُهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: إذَا أَسْلَمَ الذِّمِّيُّ قَبْلَ حُلُولِ وَقْتِ الْجِزْيَةِ سَقَطَتْ عَنْهُ وَإِنْ أَسْلَمَ بَعْدَ حُلُولِهَا فَهِيَ عَلَيْهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رضي الله عنه كُلُّ مَنْ خَالَفَ الْإِسْلاَمَ مِنْ أَهْلِ الصَّوَامِعِ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ دَانَ دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ فَلاَ بُدَّ مِنْ السَّيْفِ أَوْ الْجِزْيَةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: كُلُّ شَيْءٍ بِيعَ وَفِيهِ فِضَّةٌ مِثْلُ السَّيْفِ وَالْمِنْطَقَةِ وَالْقَدَحِ وَالْخَاتَمِ وَالسَّرْجِ فَلاَ يُبَاعُ حَتَّى تُخْلَعَ الْفِضَّةُ فَتُبَاعُ الْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَيُبَاعُ السَّيْفُ عَلَى حِدَةٍ وَيُبَاعُ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ فِضَّةٍ بِالذَّهَبِ وَلاَ يُبَاعُ بِالْفِضَّةِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رضي الله عنه: الْخَاتَمُ يَكُونُ لِلرَّجُلِ مِنْ فِضَّةٍ وَالْحِلْيَةُ لِلسَّيْفِ لاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي قَوْلِ مَنْ رَأَى أَنْ لاَ زَكَاةَ فِي الْحُلِيِّ وَإِنْ كَانَتْ الْحِلْيَةُ لِمُصْحَفٍ أَوْ كَانَ الْخَاتَمُ لِرَجُلٍ مِنْ ذَهَبٍ لَمْ تَسْقُطْ عَنْهُ الزَّكَاةُ وَلَوْلاَ أَنَّهُ رَوَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَخَتَّمَ بِخَاتَمِ فِضَّةٍ وَأَنَّهُ كَانَ فِي سَيْفِهِ حِلْيَةُ فِضَّةٍ مَا جَازَ أَنْ يَتْرُكَ الزَّكَاةَ فِيهِ مَنْ رَأَى أَنْ لاَ زَكَاةَ فِي الْحُلِيِّ لِأَنَّ الْحُلِيَّ لِلنِّسَاءِ لاَ لِلرِّجَالِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَإِذَا أَبَقَ الْعَبْدُ إلَى بِلاَدِ الْعَدُوِّ كَافِرًا كَانَ أَوْ مُسْلِمًا سَوَاءٌ لِأَنَّهُ عَلَى مِلْكِ سَيِّدِهِ وَأَنَّهُ لِسَيِّدِهِ قَبْلَ الْمَقَاسِمِ وَبَعْدَهَا وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا فَارْتَدَّ فَكَذَلِكَ غَيْرَ أَنَّهُ يُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رضي الله عنه: وَإِذَا سُبِيَ النِّسَاءُ وَالرِّجَالُ وَالْوِلْدَانُ ثُمَّ أُخْرِجُوا إلَى دَارِ الْإِسْلاَمِ فَلاَ بَأْسَ بِبَيْعِ الرِّجَالِ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَأَهْلِ الصُّلْحِ وَالْمُسْلِمِينَ قَدْ فَادَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَسْرَى فَرَجَعُوا إلَى مَكَّةَ وَهُمْ كَانُوا عَدُوَّهُ وَقَاتَلُوهُ بَعْدَ فَدَائِهِمْ وَمَنَّ عَلَيْهِمْ وَقَاتَلُوهُ بَعْدَ الْمَنِّ عَلَيْهِمْ وَفَدَى رَجُلاً بِرَجُلَيْنِ فَكَذَلِكَ لاَ بَأْسَ بِبَيْعِ السَّبْيِ البوالغ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَالصُّلْحِ وَمَنْ كَانَ مِنْ الْوِلْدَانِ مَعَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ فَلاَ بَأْسَ أَنْ يُبَاعَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَالصُّلْحِ وَلاَ يُصَلَّى عَلَيْهِ إنْ مَاتَ قَدْ بَاعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْيَ بَنِي قُرَيْظَةَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَالصُّلْحِ فَبَعَثَ بِهِمْ أَثْلاَثًا، ثُلُثًا إلَى نَجْدٍ وَثُلُثًا إلَى تِهَامَةَ وَهَؤُلاَءِ مُشْرِكُونَ أَهْلُ أَوْثَانٍ وَثُلُثًا إلَى الشَّامِ وَأُولَئِكَ مُشْرِكُونَ فِيهِمْ الْوَثَنِيُّ وَغَيْرُ الْوَثَنِيِّ وَفِيهِمْ الْوِلْدَانُ مَعَ أُمَّهَاتِهِمْ وَلَمْ أَعْلَمْ مِنْهُمْ أَحَدًا كَانَ خَلِيًّا مِنْ أُمِّهِ فَإِذَا كَانَ مَوْلُودٌ خَلِيًّا مِنْ أُمِّهِ لَمْ أَرَ أَنْ يُبَاعَ إلَّا مِنْ مُسْلِمٍ وَسَوَاءٌ كَانَ السَّبْيُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أَوْ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ لِأَنَّ بَنِي قُرَيْظَةَ كَانُوا أَهْلَ كِتَابٍ وَمَنْ وَصَفْت أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنَّ عَلَيْهِمْ كَانُوا مِنْ أَهْلِ الْأَوْثَانِ وَقَدْ مَنَّ عَلَى بَعْضِ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ فَلَمْ يُقْتَلْ، وَقُتِلَ أَعْمَى مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ بَعْدَ الْإِسَارِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى قَتْلِ مَنْ لاَ يُقَاتِلُ مِنْ الرِّجَالِ الْبَالِغِينَ إذَا أَبَى الْإِسْلاَمَ أَوْ الْجِزْيَةَ. قَالَ: وَيُقْتَلُ الْأَسِيرُ بَعْدَ وَضْعِ الْحَرْبِ أَوْزَارَهَا وَقَدْ قَتَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ انْقِطَاعِ الْحَرْبِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ قَتَلَ فِي ذَلِكَ الْأَسْرِ وَكَذَلِكَ يُقْتَلُ كُلُّ مُشْرِكٍ بَالِغٍ إذَا أَبَى الْإِسْلاَمَ أَوْ الْجِزْيَةَ وَإِذَا دَعَا الْإِمَامُ الْأَسِيرَ إلَى الْإِسْلاَمِ فَحَسَنٌ وَإِنْ لَمْ يَدْعُهُ وَقَتَلَهُ فَلاَ بَأْسَ، وَإِذَا قَتَلَ الرَّجُلُ الْأَسِيرَ قَبْلَ بُلُوغِ الْإِمَامِ وَبَعْدَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَبَعْدَ الْخُرُوجِ مِنْهَا بِغَيْرِ أَمْرِ الْإِمَامِ فَقَدْ أَسَاءَ وَلاَ عَزْمَ عَلَيْهِ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ لِلْإِمَامِ أَنْ يُرْسِلَهُ وَيَقْتُلَهُ وَيُفَادِيَ بِهِ كَانَ حُكْمُهُ غَيْرَ حُكْمِ الْأَمْوَالِ الَّتِي لَيْسَ لِلْإِمَامِ إلَّا إعْطَاؤُهَا مَنْ أَوْجَفَ عَلَيْهَا وَلَكِنَّهُ لَوْ قَتَلَ طِفْلاً أَوْ امْرَأَةً عُوقِبَ وَغَرِمَ أَثْمَانَهُمَا، وَلَوْ اسْتَهْلَكَ مَالاً غَرِمَ ثَمَنَهُ، وَإِذَا سِيقَ السَّبْيُ فَأَبْطَئُوا أَوْجَفُوا وَلاَ مَحْمَلَ لَهُمْ بِحَالٍ فَإِنْ شَاءُوا قَتَلُوا الرِّجَالَ وَإِنْ شَاءُوا تَرَكُوهُمْ وَكَذَلِكَ إنْ خِيفُوا وَلَيْسَ لَهُمْ قَتْلُ النِّسَاءِ وَلاَ الْوِلْدَانِ بِحَالٍ وَلاَ قَتْلُ شَيْءٍ مِنْ الْبَهَائِمِ إلَّا ذَبْحًا لِمَأْكَلِهِ لاَ غَيْرِهِ لاَ فَرَسَ وَلاَ غَيْرَهُ، فَإِنْ اتَّهَمَ الْإِمَامُ الَّذِي يَسُوقُ السَّبْيَ أَحَلَفَهُ وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِذَا جَنَتْ الْجَارِيَةُ مِنْ السَّبْيِ جِنَايَةً لَمْ يَكُنْ لِلْإِمَامِ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَلاَ يَفْدِيهَا مِنْ مَالِ الْجَيْشِ وَعَلَيْهِ أَنْ يَبِيعَهَا بِالْجِنَايَةِ فَإِنْ كَانَ ثَمَنُهَا أَقَلَّ مِنْ الْجِنَايَةِ أَوْ مِثْلُهَا دَفَعَهُ إلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ فَلَيْسَتْ لَهُ الزِّيَادَةُ عَلَى أَرْشِ جِنَايَتِهِ وَالزِّيَادَةُ لِأَهْلِ الْعَسْكَرِ، وَإِنْ كَانَ مَعَهَا مَوْلُودٌ صَغِيرٌ وَوَلَدَتْ بَعْدَمَا جَنَتْ وَقَبِلَ تُبَاعَ بِيعَتْ وَمَوْلُودُهَا وَقُسِمَ الثَّمَنُ عَلَيْهِمَا فَمَا أَصَابَهَا كَانَ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ كَمَا وَصَفْت وَمَا أَصَابَ وَلَدَهَا فَلِجَمَاعَةِ الْجَيْشِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْجَانِي قَالَ: وَالْبَيْعُ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ جَائِزٌ فَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا مِنْ الْمَغْنَمِ ثُمَّ خَرَجَ فَلَقِيَهُ الْعَدُوُّ فَأَخَذُوهُ مِنْهُ فَلاَ شَيْءَ لَهُ وَكَانَ يَنْبَغِي لِلْوَالِي أَنْ يَبْعَثَ مَعَ النَّاسِ مَنْ يَحُوطُهُمْ. قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: يُجَزِّئُ فِي الرِّقَابِ الْوَاجِبَةِ الْمَوْلُودُ عَلَى الْإِسْلاَمِ الصَّغِيرُ وَوَلَدُ الزِّنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رضي الله تعالى عنه: إذَا كَانَ فِي حِصْنِ الْمُشْرِكِينَ نِسَاءٌ وَأَطْفَالٌ وَأَسْرَى مُسْلِمُونَ فَلاَ بَأْسَ بِأَنْ يُنْصَبَ الْمَنْجَنِيقُ عَلَى الْحِصْنِ دُونَ الْبُيُوتِ الَّتِي فِيهَا السَّاكِنُ إلَّا أَنْ يَلْتَحِمَ الْمُسْلِمُونَ قَرِيبًا مِنْ الْحِصْنِ فَلاَ بَأْسَ أَنْ تُرْمَى بُيُوتُهُ وَجُدْرَانُهُ فَإِذَا كَانَ فِي الْحِصْنِ مُقَاتِلَةٌ مُحَصَّنُونَ رُمِيَتْ الْبُيُوتُ وَالْحُصُونُ، وَإِذَا تَتَرَّسُوا بِالصِّبْيَانِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمُونَ مُلْتَحِمُونَ فَلاَ بَأْسَ أَنْ يَعْمِدُوا الْمُقَاتِلَةَ دُونَ الْمُسْلِمِينَ وَالصِّبْيَانِ وَإِنْ كَانُوا غَيْرَ مُلْتَحِمِينَ أَحْبَبْت لَهُ الْكَفَّ عَنْهُمْ حَتَّى يُمْكِنُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوهُمْ غَيْرَ مُتَتَرِّسِينَ، وَهَكَذَا إنْ أَبْرَزُوهُمْ فَقَالُوا: إنْ رَمَيْتُمُونَا وَقَاتَلْتُمُونَا قَاتَلْنَاهُمْ، وَالنِّفْطُ وَالنَّارُ مِثْلُ الْمَنْجَنِيقِ وَكَذَلِكَ الْمَاءُ وَالدُّخَانُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَلاَ بَأْسَ بِقَطْعِ الشَّجَرِ الْمُثْمِرِ وَتَخْرِيبِ الْعَامِرِ وَتَحْرِيقِهِ مِنْ بِلاَدِ الْعَدُوِّ وَكَذَلِكَ لاَ بَأْسَ بِتَحْرِيقِ مَا قَدَرَ لَهُمْ عَلَيْهِ مِنْ مَالٍ وَطَعَامٍ لاَ رُوحَ فِيهِ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَّقَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ وَأَهْلِ خَيْبَرَ وَأَهْلِ الطَّائِفِ وَقَطَعَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي بَنِي النَّضِيرِ «مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا» الْآيَةُ فَأَمَّا مَالَهُ رُوحٌ فَإِنَّهُ يَأْلَمُ مِمَّا أَصَابَهُ فَقَتْلُهُ مُحَرَّمٌ إلَّا بِأَنْ يُذْبَحَ فَيُؤْكَلَ وَلاَ يَحِلُّ قَتْلُهُ لِمُغَايَظَةِ الْعَدُوِّ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ قَتَلَ عُصْفُورًا فَمَا فَوْقَهَا بِغَيْرِ حَقِّهَا سَأَلَهُ اللَّهُ عَنْهَا قِيلَ: وَمَا حَقُّهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: يَذْبَحُهَا فَيَأْكُلَهَا وَلاَ يَقْطَعَ رَأْسَهَا فَيَرْمِيَ بِهِ» وَلاَ يُحَرِّقُ نَحْلاً وَلاَ يُغْرِقُ لِأَنَّهُ لَهُ رُوحٌ وَإِذَا كَانَ الْمُسْلِمُونَ أَسْرَى أَوْ مُسْتَأْمَنِينَ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَقَتَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا أَوْ قَذَفَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا أَوْ زَنَوْا بِغَيْرِ حَرْبِيَّةٍ فَعَلَيْهِمْ فِي هَذَا كُلِّهِ الْحُكْمُ كَمَا يَكُونُ عَلَيْهِمْ لَوْ فَعَلُوهُ فِي بِلاَدِ الْإِسْلاَمِ إنَّمَا يَسْقُطُ عَنْهُمْ لَوْ زَنَى أَحَدُهُمْ بِحَرْبِيَّةٍ إذَا ادَّعَى الشُّبْهَةَ، وَلاَ تُسْقِطُ دَارُ الْحَرْبِ. عَنْهُمْ فَرْضًا كَمَا لاَ تُسْقِطُ عَنْهُمْ صَوْمًا وَلاَ صَلاَةً وَلاَ زَكَاةً وَالْحُدُودُ فَرْضٌ عَلَيْهِمْ كَمَا هَذِهِ فَرْضٌ عَلَيْهِمْ، قَالَ: وَإِذَا أَصَابَ الرَّجُلُ حَدًّا وَهُوَ مُحَاصِرٌ لِلْعَدُوِّ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَلاَ يَمْنَعُنَا الْخَوْفُ عَلَيْهِ مِنْ اللُّحُوقِ بِالْمُشْرِكِينَ أَنْ نُقِيمَ عَلَيْهِ حَدًّا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَلَوْ فَعَلْنَا تَوَقِّيًا أَنْ يَغْضَبَ مَا أَقَمْنَا الْحَدَّ عَلَيْهِ أَبَدًا لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ مِنْ كُلِّ مَوْضِعٍ أَنْ يَلْحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَالْعِلَّةُ أَنْ يَلْحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَيُعَطَّلَ عَنْهُ الْحَدُّ إبْطَالاً لِحُكْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ حَكَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعِلَّةِ جَهَالَةٍ وَغَيًّا قَدْ أَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَدَّ بِالْمَدِينَةِ وَالشِّرْكُ قَرِيبٌ مِنْهَا وَفِيهَا شِرْكٌ كَثِيرٌ مُوَادِعُونَ وَضَرَبَ الشَّارِبَ بِحُنَيْنٍ وَالشِّرْكُ قَرِيبٌ مِنْهُ وَإِذَا أَصَابَ الْمُسْلِمُ نَفْسَهُ بِجُرْحٍ خَطَأً فَلاَ يَكُونُ لَهُ عَقْلٌ عَلَى نَفْسِهِ وَلاَ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَلاَ يَضْمَنُ الْمَرْءُ مَا جَنَى عَلَى نَفْسِهِ وَقَدْ يُرْوَى أَنَّ رَجُلاً مِنْ الْمُسْلِمِينَ ضَرَبَ رَجُلاً مِنْ الْمُشْرِكِينَ فِي غُزَاةٍ أَظُنُّهَا خَيْبَرَ بِسَيْفٍ فَرَجَعَ السَّيْفُ عَلَيْهِ فَأَصَابَهُ فَرُفِعَ ذَلِكَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ عَقْلاً وَإِذَا نَصَبَ الْقَوْمُ الْمَنْجَنِيقَ فَرَمَوْا بِهَا فَرَجَعَ الْحَجَرُ عَلَى أَحَدِهِمْ فَقَتَلَهُ فَدِيَتُهُ عَلَى عَوَاقِلِ الَّذِينَ رَمَوْا بِالْمَنْجَنِيقِ فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ رَمَى بِهِ مَعَهُمْ رُفِعَتْ حِصَّتُهُ مِنْ الدِّيَةِ وَذَلِكَ أَنْ يَكُونُوا عَشَرَةً هُوَ عَاشِرُهُمْ فَجِنَايَةُ الْعَشْرِ عَلَى نَفْسِهِ مَرْفُوعَةٌ عَنْ نَفْسِهِ وَعَاقِلَتِهِ وَلاَ يَضْمَنُ هُوَ وَلاَ عَاقِلَتُهُ عَمَّا جَنَى عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى عَوَاقِلِهِمْ تِسْعَةُ أَعْشَارِ دِيَتِهِ وَعَلَى الرَّامِينَ الْكَفَّارَةُ وَلاَ يَكُونُ كَفَّارَةٌ وَلاَ عَقْلٌ عَلَى مَنْ سَدَّدَهُمْ وَأَرْشَدَهُمْ وَأَمَرَهُمْ حَيْثُ يَرْمُونَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِفَاعِلٍ شَيْئًا إنَّمَا تَكُونُ الْكَفَّارَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى الَّذِينَ كَانَ بِفِعْلِهِمْ الْقَتْلُ وَتَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ كُلَّ شَيْءٍ كَانَ مِنْ الْخَطَأِ وَلَوْ كَانَ دِرْهَمًا أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ إذَا حَمَلَتْ الْأَكْثَرَ حَمَلَتْ الْأَقَلَّ وَقَدْ قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْعَاقِلَةِ بِدِيَةِ الْجَنِينِ وَإِذَا دَخَلَ الْمُسْلِمُ دَارَ الْحَرْبِ مُسْتَأْمَنًا فَأَدَانَ دَيْنًا مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ ثُمَّ جَاءَهُ الْحَرْبِيُّ الَّذِي أَدَانَهُ مُسْتَأْمَنًا قَضَيْت عَلَيْهِ بِدَيْنِهِ كَمَا أَقْضِي بِهِ لِلْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ فِي دَارِ الْإِسْلاَمِ لِأَنَّ الْحُكْمَ جَارٍ عَلَى الْمُسْلِمِ حَيْثُ كَانَ لاَ نُزِيلُ الْحَقَّ عَنْهُ بِأَنْ يَكُونَ بِمَوْضِعٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ كَمَا لاَ تَزُولُ عَنْهُ الصَّلاَةُ أَنْ يَكُونَ بِدَارِ الشِّرْكِ فَإِنْ قَالَ رَجُلٌ: الصَّلاَةُ فَرْضٌ فَكَذَلِكَ أَدَاءُ الدَّيْنِ فَرْضٌ وَلَوْ كَانَ الْمُتَدَايِنَانِ حَرْبِيَّيْنِ فَاسْتَأْمَنَّا ثُمَّ تُطَالَبَا ذَلِكَ الدَّيْنَ فَإِنْ رَضِيَا حُكْمَنَا فَلَيْسَ عَلَيْنَا أَنْ نَقْضِيَ لَهُمَا بِالدَّيْنِ حَتَّى نَعْلَمَ أَنَّهُ مِنْ حَلاَلٍ فَإِذَا عَلِمْنَا أَنَّهُ مِنْ حَلاَلٍ قَضَيْنَا لَهُمَا بِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ أَسْلَمَا فَعَلِمْنَا أَنَّهُ حَلاَلٍ قَضَيْنَا لَهُمَا بِهِ إذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُقِرًّا لِصَاحِبِهِ بِالْحَقِّ لاَ غَاصِبَ لَهُ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ غَصَبَهُ عَلَيْهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَمْ أُتْبِعْهُ بِشَيْءٍ لِأَنِّي أُهْدِرُ عَنْهُمْ مَا تغاصبوا بِهِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: مَا دَلَّ عَلَى أَنَّك تَقْضِي لَهُ بِهِ إذَا لَمْ يَغْصِبْهُ؟ قِيلَ لَهُ: أَبَى أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ثُمَّ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} وَقَالَ فِي سِيَاقِ الآيَةِ: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ} فَلَمْ يُبْطِلْ عَنْهُمْ رُءُوسَ أَمْوَالِهِمْ إذَا لَمْ يَتَقَابَضُوا وَقَدْ كَانُوا مُقِرِّينَ بِهَا وَمُسْتَيْقِنِينَ فِي الْفَضْلِ فِيهَا فَأَهْدَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمْ مَا أَصَابُوا مِنْ دَمٍ أَوْ مَالٍ لِأَنَّهُ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْغَصْبِ لاَ عَلَى وَجْهِ الْإِقْرَارِ بِهِ وَإِذَا أَحْصَنَ الذِّمِّيَّانِ ثُمَّ زَنَيَا ثُمَّ تَحَاكَمَا إلَيْنَا رَجَمْنَاهُمَا وَكَذَلِكَ لَوْ أَسْلَمَا بَعْدَ إحْصَانِهِمَا ثُمَّ زَنَيَا مُسْلِمَيْنِ رَجَمْنَاهُمَا إذَا عَدَدْنَا إحْصَانَهُمَا وَهُمَا مُشْرِكَانِ إحْصَانًا نَرْجُمُهُمَا بِهِ فَهُوَ إحْصَانٌ بَعْدَ إسْلاَمِهِمَا وَلاَ يَكُونُ إحْصَانًا مَرَّةً وَسَاقِطًا أُخْرَى وَالْحَدُّ عَلَى الْمُسْلِمِ أَوْجَبُ مِنْهُ عَلَى الذِّمِّيِّ وَإِذَا أَتَيَا جَمِيعًا فَرَضِيَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَرْضَ الْآخَرُ حَكَمْنَا عَلَى الرَّاضِي بِحُكْمِنَا وَأَيُّ رَجُلٍ أَصَابَ زَوْجَةً صَحِيحَةَ النِّكَاحِ حُرَّةً ذِمِّيَّةً أَوْ أَمَةً مُسْلِمَةً وَهُوَ حُرٌّ بَالِغٌ فَهُوَ مُحْصَنٌ وَكَذَلِكَ الْحُرَّةُ الْمُسْلِمَةُ يُصِيبُهَا الْمُسْلِمُ وَكَذَلِكَ الْحُرَّةُ الذِّمِّيَّةُ يُصِيبُهَا الزَّوْجُ الْمُسْلِمُ أَوْ الذِّمِّيُّ إنَّمَا الْإِحْصَانُ الْجِمَاعُ بِالنِّكَاحِ لاَ غَيْرِهِ فَمَتَى وَجَدْنَا جِمَاعًا بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ فَهُوَ إحْصَانٌ لِلْحُرِّ مِنْهُمَا وَإِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ دَارَ الْحَرْبِ فَوَجَدَ فِي أَيْدِيهِمْ أَسْرَى رِجَالاً وَنِسَاءً مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَاشْتَرَاهُمْ وَأَخْرَجَهُمْ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ وَأَرَادَ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِمْ بِمَا أَعْطَى لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ وَكَانَ مُتَطَوِّعًا بِالشِّرَاءِ لِمَا لَيْسَ يُبَاعُ مِنْ الْأَحْرَارِ فَإِنْ كَانُوا أَمَرُوهُ بِشِرَائِهِمْ رَجَعَ عَلَيْهِمْ بِمَا أَعْطَى فِيهِمْ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ أَعْطَى بِأَمْرِهِمْ وَكَذَلِكَ قَالَ بَعْضُ النَّاسِ ثُمَّ رَجَعَ فَنَقَضَ قَوْلَهُ فَزَعَمَ أَنَّ رَجُلاً لَوْ دَخَلَ بِلاَدَ الْحَرْبِ وَفِي أَيْدِيهِمْ عَبْدٌ لِرَجُلٍ اشْتَرَاهُ بِغَيْرِ أَمْرِ الرَّجُلِ وَلاَ الْعَبْدِ كَانَ لَهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ سَيِّدُ الْعَبْدِ أَنْ يُعْطِيَهُ ثَمَنَهُ وَهَذَا خِلاَفُ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ إذَا زَعَمَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ غَيْرُ مَأْمُورٍ مُتَطَوِّعٍ لَزِمَهُ أَنْ يَزْعُمَ أَنَّ هَذَا الْعَبْدَ لِسَيِّدِهِ وَلاَ يَرْجِعُ عَلَى سَيِّدِهِ بِشَيْءٍ مِنْ ثَمَنِهِ وَهَكَذَا نَقُولُ فِي الْعَبْدِ كَمَا نَقُولُ فِي الْحُرِّ لاَ يَخْتَلِفَانِ وَإِنَّمَا غَلِطَ فِيهِ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ يَمْلِكُونَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَأَنَّهُ اشْتَرَاهُ مَالِكٌ مِنْ مَالِكٍ وَيَدْخُلُ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَنَّهُ لاَ يَكُونُ عَلَيْهِ رَدُّهُ إلَى سَيِّدِهِ لِأَنَّهُ اشْتَرَاهُ مَالِكٌ مِنْ مَالِكٍ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الذِّمِّيُّ اشْتَرَاهُ وَإِذَا أُسِرَتْ الْمُسْلِمَةُ فَنَكَحَهَا بَعْضُ أَهْلِ الْحَرْبِ أَوْ وَطِئَهَا بِلاَ نِكَاحٍ ثُمَّ ظَهَرَ عَلَيْهَا الْمُسْلِمُونَ لَمْ تُسْتَرَقَّ هِيَ وَلاَ وَلَدُهَا لِأَنَّ أَوْلاَدَهَا مُسْلِمُونَ بِإِسْلاَمِهَا فَإِنْ كَانَ لَهَا زَوْجٌ فِي دَارِ الْإِسْلاَمِ لَمْ يَلْحَقْ بِهِ هَذَا الْوَلَدُ وَلَحِقَ بِالنَّاكِحِ الْمُشْرِكِ وَإِنْ كَانَ نِكَاحُهُ فَاسِدًا لِأَنَّهُ نِكَاحُ شُبْهَةٍ وَإِذَا دَخَلَ الْمُسْتَأْمَنُ بِلاَدَ الْإِسْلاَمِ فَقَتَلَهُ مُسْلِمٌ عَمْدًا فَلاَ قَوَدَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ فِي مَالِهِ وَدِيَتِهِ فَإِنْ كَانَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا فَثُلُثُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ وَإِنْ كَانَ مَجُوسِيًّا أَوْ وَثَنِيًّا فَهُوَ كَالْمَجُوسِيِّ فَثَمَانُمِائَةِ دِرْهَمٍ فِي مَالِهِ حَالَّةً فَإِنْ قَتَلَهُ خَطَأً فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ فِي مَالِهِ أَخْبَرَنَا فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ ثَابِتٍ الْحَدَّادِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَضَى فِي الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ أَرْبَعَةَ آلاَفٍ وَفِي الْمَجُوسِيِّ ثَمَانُمِائَةِ دِرْهَمٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ صَدَقَةَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: أُرْسِلْنَا إلَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ نَسْأَلُهُ عَنْ دِيَةِ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ قَالَ: قَضَى فِيهِ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ بِأَرْبَعَةِ آلاَفٍ فَإِنْ كَانَ مَعَ هَذَا الْمُسْتَأْمَنِ الْمَقْتُولِ مَالٌ رُدَّ إلَى وَرَثَتِهِ كَمَا يُرَدُّ مَالُ الْمُعَاهَدِ إلَى وَرَثَتِهِ إذَا كَانَ الدَّمُ مَمْنُوعًا بِالْإِسْلاَمِ وَالْأَمَانِ فَالْمَالُ مَمْنُوعٌ بِذَلِكَ وَإِذَا دَخَلَ الْمُسْلِمُ أَوْ الذِّمِّيُّ دَارَ الْحَرْبِ مُسْتَأْمَنًا فَخَرَجَ بِمَالٍ مِنْ مَالِهِمْ يَشْتَرِي لَهُمْ بِهِ شَيْئًا فَأَمَّا مَا مَعَ الْمُسْلِمِينَ فَلاَ نَعْرِضُ لَهُ وَيُرَدُّ عَلَى أَهْلِهِ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّ أَقَلَّ مَا فِيهِ أَنْ يَكُونَ خُرُوجُ الْمُسْلِمِ بِهِ أَمَانًا لِلْكَافِرِ فِيهِ وَإِذَا اسْتَأْمَنَ الْعَبْدُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ عَلَى أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا وَيُعْتَقَ فَذَلِكَ لِلْإِمَامِ أَمَّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حِصَارِ ثَقِيفٍ مَنْ نَزَلَ إلَيْهِ مِنْ عَبْدٍ فَأَسْلَمَ فَشَرَطَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَحْرَارٌ فَنَزَلَ إلَيْهِ خَمْسَةَ عَشَرَ عَبْدًا مِنْ عَبِيدِ ثَقِيفٍ فَأَعْتَقَهُمْ ثُمَّ جَاءَ سَادَتُهُمْ بَعْدَهُمْ مُسْلِمِينَ فَسَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَرُدَّهُمْ إلَيْهِمْ فَقَالَ: هُمْ أَحْرَارٌ لاَ سَبِيلَ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَرُدَّهُمْ وَإِذَا وُجِدَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ بِغَيْرِ سِلاَحٍ وَقَالَ: جِئْت رَسُولاً مُبَلِّغًا قُبِلَ مِنْهُ وَلَمْ نَعْرِضْ لَهُ فَإِنْ اُرْتِيبَ بِهِ أُحْلِفَ فَإِذَا حَلَفَ تُرِكَ وَهَكَذَا لَوْ كَانَ مَعَهُ سِلاَحٌ وَكَانَ مُنْفَرِدًا لَيْسَ فِي جَمَاعَةٍ يَمْتَنِعُ مِثْلُهَا لِأَنَّ حَالَهُمَا جَمِيعًا يُشْبِهُ مَا ادَّعَيَا وَمَنْ ادَّعَى شَيْئًا يُشْبِهُ مَا قَالَ لاَ يُعْرَفُ بِغَيْرِهِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ وَإِذَا أَتَى الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ بِغَيْرِ عَقْدٍ عَقَدَ لَهُ الْمُسْلِمُونَ فَأَرَادَ الْمُقَامَ مَعَهُمْ فَبِهَذِهِ الدَّارِ لاَ تَصْلُحُ إلَّا لِمُؤْمِنٍ أَوْ مُعْطِي جِزْيَةٍ فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ قِيلَ لَهُ: إنْ أَرَدْت الْمُقَامَ فَأَدِّ الْجِزْيَةَ وَإِنْ لَمْ تُرِدْهُ فَارْجِعْ إلَى مَأْمَنِك فَإِنْ اسْتَنْظَرَ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لاَ يُنْظَرَ إلَّا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ مِنْ قِبَلِ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ جَعَلَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَأَكْثَرَ مَا يَجْعَلُ لَهُ أَنْ لاَ يَبْلُغَ بِهِ الْحَوْلَ لِأَنَّ الْجِزْيَةَ فِي الْحَوْلِ فَلاَ يُقِيمُ فِي دَارِ الْإِسْلاَمِ مَقَامَ مَنْ يُؤَدِّي الْجِزْيَةَ وَلاَ يُؤَدِّيهَا وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْأَوْثَانِ فَلاَ تُؤْخَذُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ بِحَالٍ عَرَبِيًّا كَانَ أَوْ أَعْجَمِيًّا وَلاَ يُنْظَرَا إلَّا كَإِنْظَارِ هَذَا وَذَلِكَ دُونَ الْحَوْلِ وَإِذَا دَخَلَ قَوْمٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ بِتِجَارَةٍ ظَاهِرِينَ فَلاَ سَبِيلَ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ حَالَ هَؤُلاَءِ حَالُ مَنْ لَمْ يَزَلْ يُؤَمِّنُ مِنْ التُّجَّارِ وَإِذَا دَخَلَ الْحَرْبِيُّ دَارَ الْإِسْلاَمِ مُشْرِكًا ثُمَّ أَسْلَمَ قَبْلُ يُؤْخَذُ فَلاَ سَبِيلَ عَلَيْهِ وَلاَ عَلَى مَالِهِ وَلَوْ كَانَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ فَفَعَلُوا هَذَا كَانَ هَذَا هَكَذَا وَلَوْ قَاتَلُوا ثُمَّ أُسِرُوا فَأَسْلَمُوا بَعْدَ الْإِسَارِ فَهُمْ فَيْءٌ وَأَمْوَالُهُمْ وَلاَ سَبِيلَ عَلَى دِمَائِهِمْ لِلْإِسْلاَمِ فَإِذَا كَانَ هَذَا بِبِلاَدِ الْحَرْبِ فَأَسْلَمَ رَجُلٌ فِي أَيِّ حَالٍ مَا أَسْلَمَ فِيهَا قَبْلَ أَنْ يُؤْسَرَ أَحْرَزَ لَهُ إسْلاَمُهُ دَمَهُ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ رِقٌّ وَهَكَذَا إنْ صَلَّى فَالصَّلاَةُ مِنْ الْإِيمَانِ أَمْسَكَ عَنْهُ فَإِنْ زَعَمَ أَنَّهُ مُؤَمَّنٌ فَقَدْ أَحْرَزَ مَالَهُ وَنَفْسَهُ وَإِنْ زَعَمَ أَنَّهُ صَلَّى صَلاَتَهُ وَأَنَّهُ عَلَى غَيْرِ الْإِيمَانِ كَانَ فَيْئًا إنْ شَاءَ الْإِمَامُ قَتَلَهُ وَحُكْمُهُ حُكْمُ أَسْرَى الْمُشْرِكِينَ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رضي الله عنه: وَلَوْ أَنَّ قَوْمًا مِنْ أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ لَجَئُوا إلَى الْحَرَمِ فَكَانُوا مُمْتَنِعِينَ فِيهِ أُخِذُوا كَمَا يُؤْخَذُونَ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ فَنَحْكُمُ فِيهِمْ مِنْ الْقَتْلِ وَغَيْرِهِ كَمَا نَحْكُمُ فِيمَنْ كَانَ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَكَيْفَ زَعَمْت أَنَّ الْحَرَمَ لاَ يَمْنَعُهُمْ وَقَدْ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَكَّةَ: هِيَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ لَمْ تَحْلُلْ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَلاَ تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِي وَلَمْ تَحْلُلْ لِي إلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ» وَهَلْ سَاعَتُهَا هَذِهِ مُحَرَّمَةٌ؟ قِيلَ: إنَّمَا مَعْنَى ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهَا لَمْ تَحْلُلْ أَنْ يَنْصَبَّ عَلَيْهَا الْحَرْبُ حَتَّى تَكُونَ كَغَيْرِهَا فَإِنْ قَالَ: مَا دَلَّ عَلَى مَا وَصَفْت؟ قِيلَ: أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَمَا قُتِلَ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ وَخُبَيْبٌ وَابْنُ حَسَّانَ بِقَتْلِ أَبِي سُفْيَانَ فِي دَارِهِ بِمَكَّةَ غِيلَةً إنْ قُدِرَ عَلَيْهِ. وَهَذَا فِي الْوَقْتِ الَّذِي كَانَتْ فِيهِ مُحَرَّمَةً فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا لاَ تَمْنَعُ أَحَدًا مِنْ شَيْءٍ وَجَبَ عَلَيْهِ وَأَنَّهَا إنَّمَا يُمْنَعُ أَنْ يَنْصَبَّ عَلَيْهَا الْحَرْبُ كَمَا يَنْصَبُّ عَلَى غَيْرِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَإِذَا دَخَلَ الْحَرْبِيُّ دَارَ الْإِسْلاَمِ بِأَمَانٍ فَاشْتَرَى عَبْدًا مُسْلِمًا فَلاَ يَجُوزُ فِيهِ إلَّا وَاحِدٌ مِنْ قَوْلَيْنِ أَنْ يَكُونَ الشِّرَاءُ مَفْسُوخًا وَأَنْ يَكُونَ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِ الْأَوَّلِ أَوْ يَكُونَ الشِّرَاءُ جَائِزًا وَعَلَيْهِ أَنْ يَبِيعَهُ فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ عَلَيْهِ حَتَّى يَهْرُبَ بِهِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ أَسْلَمَ عَلَيْهِ فَهُوَ لَهُ إنْ بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ فَبَيْعُهُ وَهِبَتُهُ جَائِزَةٌ وَلاَ يَكُونُ حُرًّا بِإِدْخَالِهِ إيَّاهُ دَارَ الْحَرْبِ وَلاَ يُعْتَقُ بِالْإِسْلاَمِ إلَّا فِي مَوْضِعٍ وَهُوَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ بِلاَدِ الْحَرْبِ مُسْلِمًا كَمَا أَعْتَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ خَرَجَ مِنْ حِصْنِ ثَقِيفٍ مُسْلِمًا. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: أَفَرَأَيْت إنْ ذَهَبْنَا إلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا أَعْتَقَهُمْ بِالْإِسْلاَمِ دُونَ الْخُرُوجِ مِنْ بِلاَدِ الْحَرْبِ قِيلَ لَهُ: قَدْ جَاءَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدٌ مُسْلِمٌ ثُمَّ جَاءَهُ سَيِّدُهُ يَطْلُبُهُ فَاشْتَرَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ بِعَبْدَيْنِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ يُعْتِقُهُ لَمْ يَشْتَرِ مِنْهُ حُرًّا وَلَمْ يُعْتِقْهُ هُوَ بَعْدُ وَلَكِنَّهُ أَسْلَمَ غَيْرَ خَارِجٍ مِنْ بِلاَدٍ مَنْصُوبٍ عَلَيْهَا حَرْبٌ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رضي الله عنه: وَلَوْ أَسْلَمَ عَبْدُ الْحَرْبِيِّ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا حَتَّى ظَهَرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهَا كَانَ رَقِيقًا مَحْقُونَ الدَّمِ بِالْإِسْلاَمِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رضي الله عنه: وَإِذَا أَسْلَمَ الْغُلاَمُ الْعَاقِلُ قَبْلَ أَنْ يَحْتَلِمَ أَوْ يَبْلُغَ خَمْسَ عَشَرَةَ سَنَةً وَهُوَ الذِّمِّيُّ وَوَصْفُ الْإِسْلاَمِ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ أَنْ يَبِيعَهُ وَأَنْ يُبَاعَ عَلَيْهِ وَالْقِيَاسُ أَنْ لاَ يُبَاعَ عَلَيْهِ حَتَّى يَصِفَ وَالْإِسْلاَمُ بَعْدَ الْحُلُمِ أَوْ بَعْدَ اسْتِكْمَالِ خَمْسَ عَشَرَةَ سَنَةً فَيَكُونُ فِي السِّنِّ الَّتِي لَوْ أَسْلَمَ ثُمَّ ارْتَدَّ بَعْدَهَا قُتِلَ. وَإِنَّمَا قُلْت: أَحَبَّ إلَيَّ أَنْ يُبَاعَ عَلَيْهِ قِيَاسًا عَلَى مَنْ أَسْلَمَ مِنْ عَبِيدِهِ أُجْبِرُهُ عَلَى بَيْعِهِ وَهُوَ لَمْ يَصِفْ الْإِسْلاَمَ وَإِنَّمَا جَعَلْتُهُ مُسْلِمًا بِحُكْمِ غَيْرِهِ فَكَأَنَّهُ إذَا وَصَفَ الْإِسْلاَمَ وَهُوَ يَعْقِلُهُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْمَعْنَى أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ يُخَالِفُهُ فَيَحْتَمِلُ الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ قِيَاسًا كَانَ صَحِيحًا وَهَذَا قِيَاسٌ فِيهِ شُبْهَةٌ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رَحْمَةُ اللَّهُ عَلَيْهِ: وَإِذَا ارْتَدَّ الرَّجُلُ عَنْ الْإِسْلاَمِ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ أَوْ هَرَبَ فَلَمْ يَدْرِ أَيْنَ هُوَ أَوْ خَرِسَ أَوْ عَتِهَ أَوْقَفْنَا مَالَهُ فَلَمْ نَقْضِ فِيهِ بِشَيْءٍ وَإِنْ لَمْ يُسْلِمْ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّةِ امْرَأَتِهِ بَانَتْ مِنْهُ وَأَوْقَفْنَا أُمَّهَاتِ أَوْلاَدِهِ وَمُدَبَّرِيهِ وَجَمِيعَ مَالِهِ وَبِعْنَا مِنْ رَقِيقِهِ مَا لاَ يُرَدُّ عَلَيْهِ وَمَا كَانَ بَيْعُهُ نَظَرًا لَهُ وَلَمْ يَحْلُلْ مِنْ دُيُونِهِ الْمُؤَجَّلَةِ شَيْءٌ فَإِنْ رَجَعَ إلَى الْإِسْلاَمِ دَفَعْنَا إلَيْهِ مَالَهُ كَمَا كَانَ بِيَدِهِ قَبْلَ مَا صَنَعَ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الْإِسْلاَمِ فَمَالُهُ فَيْءٌ يُخَمَّسُ فَتَكُونُ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ لِلْمُسْلِمِينَ وَخُمُسُهُ لِأَهْلِ الْخُمْسِ. فَإِنْ زَعَمَ بَعْضُ وَرَثَتِهِ أَنَّهُ قَدْ أَسْلَمَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ كُلِّفَ الْبَيِّنَةَ فَإِنْ جَاءَ بِهَا أُعْطِيَ مَالُهُ وَرَثَتَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِهَا وَقَدْ عَلِمْت مِنْهُ الرِّدَّةَ فَمَالُهُ فَيْءٌ، وَإِنْ قَدِمَ لِيُقْتَلَ فَشَهِدَ أَنْ لاَ إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَقَتَلَهُ بَعْضُ الْوُلاَةِ الَّذِينَ لاَ يَرَوْنَ أَنْ يُسْتَتَابَ بَعْضُ الْمُرْتَدِّينَ فَمِيرَاثُهُ لِوَرَثَتِهِ الْمُسْلِمِينَ وَعَلَى قَاتِلِهِ الْكَفَّارَةُ وَالدِّيَةُ وَلَوْلاَ الشُّبْهَةُ لَكَانَ عَلَيْهِ الْقَوَدُ وَقَدْ خَالَفَنَا فِي هَذَا بَعْضُ النَّاسِ وَقَدْ كَتَبْنَاهُ فِي كِتَابِ الْمُرْتَدِّ وَإِذَا عَرَضَتْ الْجَمَاعَةُ لِقَوْمٍ مِنْ مَارَّةِ الطَّرِيقِ وَكَابَرُوهُمْ بِالسِّلاَحِ فَإِنْ قَتَلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ قُتِلُوا وَصُلِّبُوا، وَإِنْ قَتَلُوا وَلَمْ يَأْخُذُوا مَالاً قَتِّلُوا وَلَمْ يُصَلَّبُوا، وَإِذَا أَخَذُوا الْمَالَ وَلَمْ يَقْتُلُوا قُطِعَتْ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلاَفٍ وَإِنْ لَمْ يَقْتُلُوا وَلَمْ يَأْخُذُوا الْمَالَ نُفُوا مِنْ الْأَرْضِ وَنَفْيُهُمْ أَنْ يُطْلَبُوا فَيُنْفَوْا مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ فَإِذَا ظُفِرَ بِهِمْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِمْ أَيْ هَذِهِ الْحُدُودِ كَانَ حَدُّهُمْ وَلاَ يَقْطَعُونَ حَتَّى يَبْلُغَ قَدْرُ مَا أَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ رُبْعَ دِينَارٍ فَإِنْ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْدَرَ عَلَيْهِمْ سَقَطَ عَنْهُمْ مَا لِلَّهِ مِنْ هَذِهِ الْحُدُودِ وَلَزِمَهُمْ مَا لِلنَّاسِ مِنْ مَالٍ أَوْ جُرْحٍ أَوْ نَفْسٍ حَتَّى يَكُونُوا يَأْخُذُونَهُ أَوْ يَدَعُونَهُ فَإِنْ كَانَتْ مِنْهُمْ جَمَاعَةٌ رِدْءًا لَهُمْ حَيْثُ لاَ يَسْمَعُونَ الصَّوْتَ أَوْ يَسْمَعُونَهُ عُزِّرُوا وَلَمْ يُصْنَعْ بِهِمْ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْحُدُودِ. وَلاَ يُحَدُّ مِمَّنْ حَضَرَ الْمَعْرَكَةَ إلَّا مَنْ فَعَلَ هَذَا لِأَنَّ الْحَدَّ إنَّمَا هُوَ بِالْفِعْلِ لاَ بِالْحُضُورِ وَلاَ التَّقْوِيَةِ. وَسَوَاءٌ كَانَ هَذَا الْفِعْلُ فِي قَرْيَةٍ أَوْ صَحْرَاءَ وَلَوْ أَعْطَاهُمْ السُّلْطَانُ أَمَانًا عَلَى مَا أَصَابُوا كَانَ مَا أَعْطَاهُمْ عَلَيْهِ الْأَمَانُ مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ بَاطِلاً وَلَزِمَهُ أَنْ يَأْخُذَ لَهُمْ حُقُوقَهُمْ إلَّا أَنْ يَدَعُوهَا وَلَوْ فَعَلُوا غَيْرَ مُرْتَدِّينَ عَنْ الْإِسْلاَمِ. ثُمَّ ارْتَدُّوا عَنْ الْإِسْلاَمِ بَعْدَ فِعْلِهِمْ ثُمَّ تَابُوا أُقِيمَتْ عَلَيْهِمْ تِلْكَ الْحُدُودُ لِأَنَّهُمْ فَعَلُوهَا وَهُمْ مِمَّنْ تَلْزَمُهُمْ تِلْكَ الْحُدُودُ وَلَوْ كَانُوا ارْتَدُّوا عَنْ الْإِسْلاَمِ قَبْلَ فِعْلِ هَذَا ثُمَّ فَعَلُوهُ مُرْتَدِّينَ ثُمَّ تَابُوا لَمْ نُقِمْ عَلَيْهِمْ شَيْئًا مِنْ هَذَا لِأَنَّهُمْ فَعَلُوهُ وَهُمْ مُشْرِكُونَ مُمْتَنِعُونَ قَدْ ارْتَدَّ طُلَيْحَةُ فَقَتَلَ ثَابِتَ بْنَ أَفْرَمَ وَعُكَاشَة بْنَ مُحْصِنٍ بِيَدِهِ ثُمَّ أَسْلَمَ فَلَمْ يُقَدْ مِنْهُ وَلَمْ يَعْقِلْ لِأَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ فِي حَالِ الشِّرْكِ وَلاَ تَبَاعَةَ عَلَيْهِ فِي الْحُكْمِ إلَّا أَنْ يُوجَدَ مَالُ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ فِي يَدَيْهِ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ، وَلَوْ كَانُوا ارْتَدُّوا ثُمَّ فَعَلُوا هَذَا ثُمَّ تَابُوا ثُمَّ فَعَلُوا مِثْلَهُ أُقِيمَتْ عَلَيْهِمْ الْحُدُودُ فِي الْفِعْلِ الَّذِي فَعَلُوهُ وَهُمْ مُسْلِمُونَ وَلَمْ تُقَمْ عَلَيْهِمْ فِي الْفِعْلِ الَّذِي فَعَلُوهُ وَهُمْ مُشْرِكُونَ قَالَ وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ آخَرُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ إذَا ارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلاَمِ ثُمَّ قَتَلَ مُسْلِمًا مُمْتَنِعًا وَغَيْرَ مُمْتَنِعٍ قُتِلَ بِهِ وَإِنْ رَجَعَ إلَى الْإِسْلاَمِ لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ بِالرِّدَّةِ إنْ لَمْ تَزِدْهُ شَرًّا لَمْ تَزِدْهُ خَيْرًا فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ قَالَ الرَّبِيعُ: قِيَاسُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ إذَا سَرَقَ الْعَبْدُ مِنْ الْمَغْنَمِ فَبَلَغَتْ سَرِقَتُهُ تَمَامَ سَهْمِ حُرٍّ وَأَكْثَرَ فَكَانَ رُبْعَ دِينَارٍ وَأَكْثَرَ أَنَّهُ يُقْطَعُ لِأَنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّهُ لاَ يَبْلُغُ بِالرَّضْخِ لِلْعَبْدِ سَهْمَ رَجُلٍ فَإِذَا بَلَغَ سَهْمَ رَجُلٍ وَاَلَّذِي بَلَغَهُ بَعْدَ سَهْمِ رَجُلٍ رُبْعَ دِينَارٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ السَّهْمِ بِرُبْعٍ قُطِعَ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَإِذَا ارْتَدَّ الْعَبْدُ عَنْ الْإِسْلاَمِ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ أَمَّنَهُ الْإِمَامُ عَلَى أَنْ لاَ يَرُدَّهُ إلَى سَيِّدِهِ فَأَمَانُهُ بَاطِلٌ وَعَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَى سَيِّدِهِ فَلَوْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ بَعْدَ وُصُولِهِ إلَيْهِ فَمَاتَ فِي يَدَيْهِ ضَمِنَ لِسَيِّدِهِ قِيمَتَهُ وَكَانَ كَالْغَاصِبِ وَإِنْ لَمْ يَمُتْ كَانَ لِسَيِّدِهِ عَلَيْهِ أُجْرَتُهُ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي حَبَسَهُ عَنْهُ فِيهَا، وَإِذَا ضَرَبَ الرَّجُلُ بِالسَّيْفِ ضَرْبَةً يَكُونُ فِي مِثْلِهَا قِصَاصٌ اُقْتُصَّ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا قِصَاصٌ فَعَلَيْهِ الْأَرْشُ، وَلاَ تُقْطَعُ يَدُ أَحَدٍ إلَّا السَّارِقُ وَقَدْ ضَرَبَ صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ حَسَّانَ بْنَ ثَابِتٍ بِالسَّيْفِ ضَرْبًا شَدِيدًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُقْطَعْ صَفْوَانُ وَعَفَا حَسَّانُ بَعْدَ أَنْ بَرَأَ فَلَمْ يُعَاقِبْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَفْوَانَ وَهَذَا يَدُلُّ أَنْ لاَ عُقُوبَةَ عَلَى مَنْ كَانَ عَلَيْهِ قِصَاصٌ فَعُفِيَ عَنْهُ فِي دَمٍ وَلاَ جُرْحٍ وَإِلَى الْوَالِي قَتْلُ مَنْ قَتَلَ عَلَى الْمُحَارِبَةِ لاَ يَنْتَظِرُ بِهِ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا ذَلِكَ قَالَ: وَمِثْلُهُ الرَّجُلُ يَقْتُلُ الرَّجُلَ مِنْ غَيْرِ نَائِرَةٍ وَاحْتَجَّ لَهُمْ بَعْضُ مَنْ يَذْهَبُ مَذَاهِبَهُمْ بِأَمْرِ الْمُحَدَّرِ بْنِ زِيَادٍ وَلَوْ كَانَ حَدِيثُهُ مِمَّا نُثْبِتُهُ قُلْنَا بِهِ فَإِنْ ثَبَتَ فَهُوَ كَمَا قَالُوا وَلاَ أَعْرِفُهُ إلَى يَوْمِي هَذَا ثَابِتًا وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ فَكُلُّ مَقْتُولٍ قَتَلَهُ غَيْرُ الْمُحَارِبِ فَالْقَتْلُ فِيهِ إلَى وَلِيِّ الْمَقْتُولِ مِنْ قِبَلِ أَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلاَ يَقُولُ: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} فَبَيَّنَ فِي حُكْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ جَعَلَ الْعَفْوَ أَوْ الْقَتْلَ إلَى وَلِيِّ الدَّمِ دُونَ السُّلْطَانِ إلَّا فِي الْمُحَارِبِ فَإِنَّهُ قَدْ حَكَمَ فِي الْمُحَارِبِينَ أَنْ يُقْتَلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا فَجَعَلَ ذَلِكَ حُكْمًا مُطْلَقًا لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ أَوْلِيَاءَ الدَّمِ. وَإِذَا كَانَ مِمَّنْ قَطَعَ الطَّرِيقَ مَنْ أَخَذَ الْمَالَ وَلَمْ يَقْتُلْ وَكَانَ أَقْطَعَ الْيَدِ الْيُمْنَى وَالرَّجُلِ الْيُسْرَى قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى وَرِجْلُهُ الْيُمْنَى وَالْحُكْمُ الْأَوْلَى فِي يَدِهِ الْيُمْنَى وَرِجْلِهِ الْيُسْرَى مَا بَقِيَ مِنْهُمَا شَيْءٌ لاَ يَتَحَوَّلُ إلَى غَيْرِهِمَا فَإِذَا لَمْ يَبْقَ مِنْهُمَا شَيْءٌ يَكُونُ فِيهِ حُكْمُ تَحَوُّلِ الْحُكْمِ إلَى الطَّرَفَيْنِ الْآخَرَيْنِ فَكَانَ فِيهِمَا وَلاَ نَقْطَعُ قُطَّاعَ الطَّرِيقِ إلَّا فِيمَا تُقْطَعُ فِيهِ السُّرَّاقُ وَذَلِكَ رُبْعُ دِينَارٍ يَأْخُذُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَصَاعِدًا أَوْ قِيمَتُهُ وَقَطْعُ الطَّرِيقِ بِالْعَصَا وَالرَّمْيِ بِالْحِجَارَةِ مِثْلُهُ بِالسِّلاَحِ مِنْ الْحَدِيدِ وَإِذَا عَرَضَ اللُّصُوصُ لِقَوْمٍ فَلاَ حَدَّ إلَّا فِي فِعْلٍ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَفْعَالُهُمْ فَحُدُودُهُمْ بِقَدْرِ أَفْعَالِهِمْ مَنْ قَتَلَ مِنْهُمْ وَأَخَذَ الْمَالَ قُتِلَ وَصُلِّبَ وَمَنْ قَتَلَ مِنْهُمْ وَلَمْ يَأْخُذْ مَالاً قُتِلَ وَلَمْ يُصَلَّبْ وَمَنْ أَخَذَ الْمَالَ قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى وَرِجْلُهُ الْيُسْرَى مِنْ خِلاَفٍ وَمَنْ كَثُرَ جَمَاعَتُهُمْ وَلَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا مِنْ هَذَا قَاسَمَهُمْ مَا أَصَابُوا أَوْ لَمْ يُقَاسِمْهُمْ عُزِّرَ وَحُبِسَ وَلَيْسَ لِأَوْلِيَاءِ الَّذِينَ قَتَلَهُمْ قُطَّاعُ الطَّرِيقِ عَفْوٌ لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَزَّ حَدَّهُمْ بِالْقَتْلِ أَوْ الْقَتْلِ وَالصَّلْبِ أَوْ الْقَطْعِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْأَوْلِيَاءَ كَمَا ذَكَرَهُمْ فِي الْقِصَاصِ فِي الْآيَتَيْنِ فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} وَقَالَ فِي الْخَطَأِ: {فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ إلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا} وَذَكَرَ الْقِصَاصَ فِي الْقَتْلَى ثُمَّ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} فَذَكَرَ فِي الْخَطَأِ وَالْعَمْدِ أَهْلَ الدَّمِ وَلَمْ يَذْكُرْهُمْ فِي الْمُحَارِبَةِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ حُكْمَ قَتْلِ الْمُحَارِبِ مُخَالِفٌ لِحُكْمِ قَتْلِ غَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: كُلُّ مَا اسْتَهْلَكَ الْمُحَارَبُ أَوْ السَّارِقُ مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ فَوُجِدَ بِعَيْنِهِ أُخِذَ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ بِعَيْنِهِ فَهُوَ دَيْنٌ عَلَيْهِ يُتْبَعُ بِهِ قَالَ: وَإِنْ تَابَ الْمُحَارِبُونَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِمْ سَقَطَ عَنْهُمْ مَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ الْحَدِّ وَلَزِمَهُمْ مَا لِلنَّاسِ مِنْ حَقٍّ فَمَنْ قَتَلَ مِنْهُمْ دُفِعَ إلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ فَإِنْ شَاءَ عَفَا وَإِنْ شَاءَ قَتَلَ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الدِّيَةَ حَالًّا مِنْ مَالِ الْقَاتِلِ وَمَنْ جَرَحَ مِنْهُمْ جُرْحًا فِيهِ قِصَاصٌ فَالْجُرُوحُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ إنْ أَحَبَّ فَلَهُ الْقِصَاصُ وَإِنْ أَحَبَّ فَلَهُ عَقْلُ الْجُرُوحِ فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ عَبْدٌ فَأَصَابَ دَمًا عَمْدًا فَوَلِيُّ الدَّمِ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَقْتُلَهُ أَوْ يُبَاعَ لَهُ فَتُؤَدَّى إلَيْهِ دِيَةُ قَتْلِهِ إنْ كَانَ حُرًّا وَإِنْ كَانَ عَبْدًا فَقِيمَةُ قَتِيلِهِ فَإِنْ فَضَلَ مِنْ ثَمَنِهِ شَيْءٌ رُدَّ إلَى مَالِكِهِ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الدِّيَةِ لَمْ يَضْمَنْ مَالِكُهُ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ كَفَافًا لِلدِّيَةِ فَهُوَ لِوَلِيِّ الْقَتِيلِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ مَالِكُ الْعَبْدِ إذَا عَفَا لَهُ عَنْ الْقِصَاصِ أَنْ يَتَطَوَّعَ بِدِيَةِ الَّذِي قَتَلَهُ عَبْدُهُ أَوْ قِيمَتَهُ وَإِذَا كَانَتْ فِي الْمُحَارَبِينَ امْرَأَةٌ فَحُكْمُهَا حُكْمُ الرِّجَالِ لِأَنِّي وَجَدْت أَحْكَامَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فِي الْحُدُودِ وَاحِدَةً قَالَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} وَقَالَ {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} وَلَمْ يَخْتَلِفْ الْمُسْلِمُونَ فِي أَنْ تُقْتَلَ الْمَرْأَةُ إذَا قَتَلَتْ وَإِذَا أَحْدَثَ الْمُسْلِمُ حَدَثًا فِي دَارِ الْإِسْلاَمِ فَكَانَ مُقِيمًا بِهَا مُمْتَنِعًا أَوْ مُسْتَخْفِيًا أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَسَأَلَ الْأَمَانَ عَلَى إحْدَاثِهِ فَإِنْ كَانَ فِيهَا حُقُوقٌ لِلْمُسْلِمِينَ لَمْ يَنْبَغِ لِلْإِمَامِ أَنْ يُؤَمِّنَهُ عَلَيْهَا وَلَوْ أَمَّنَهُ عَلَيْهَا فَجَاءَ طَالِبُهَا وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَهُ بِهَا وَإِنْ كَانَ ارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلاَمِ فَأَحْدَثَ بَعْدَ الرِّدَّةِ ثُمَّ اسْتَأْمَنَ أَوْ جَاءَ مُؤْمِنًا سَقَطَ عَنْهُ جَمِيعَ مَا أَحْدَثَ فِي الرِّدَّةِ وَالِامْتِنَاعِ قَدْ ارْتَدَّ طُلَيْحَةُ عَنْ الْإِسْلاَمِ وَثَنِيًّا وَقَتَلَ ثَابِتُ بْنُ أَفْرَمَ وَعُكَاشَة بْنُ مُحْصِنٍ ثُمَّ أَسْلَمَ فَلَمْ يُقَدْ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ عَقْلٌ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَإِنَّمَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَبِيَّهُ عليه الصلاة والسلام فَقَالَ «وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَك فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ» وَلَمْ أَعْلَمْ بِذَلِكَ فِي أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلاَمِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَلَمْ لاَ تَجْعَلُ ذَلِكَ فِي أَهْلِ الْإِسْلاَمِ الْمُمْتَنِعِينَ كَمَا تَجْعَلُهُ فِي الْمُشْرِكِينَ الْمُمْتَنِعِينَ؟ قِيلَ: لَمَّا وَصَفْنَا مِنْ سُقُوطِ مَا أَصَابَ الْمُشْرِكُ فِي شِرْكِهِ وَامْتِنَاعِهِ مِنْ دَمٍ أَوْ مَالٍ عَنْهُ وَثُبُوتُ مَا أَصَابَ الْمُسْلِمُ فِي امْتِنَاعِهِ مَعَ إسْلاَمِهِ فَإِنَّ الْحُدُودَ إنَّمَا هِيَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ لاَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ وَوَجَدْت اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَدَّ الْمُحَارِبِينَ وَهُمْ مُمْتَنِعُونَ كَمَا حَدَّ غَيْرَهُمْ وَزَادَهُمْ فِي الْحَدِّ بِزِيَادَةِ ذَنْبِهِمْ وَلَمْ يُسْقِطْ عَنْهُمْ بِعِظَمِ الذَّنْبِ شَيْئًا كَمَا أَسْقَطَ عَنْ الْمُشْرِكِينَ وَإِذَا أَبَقَ الْعَبْدُ مِنْ سَيِّدِهِ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ اسْتَأْمَنَ الْإِمَامَ عَلَى أَنْ لاَ يَرُدَّهُ عَلَى سَيِّدِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى سَيِّدِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ عَلَى أَنَّك حُرٌّ كَانَ أَنْ يَرُدَّهُ إلَى سَيِّدِهِ وَأَمَانُ الْإِمَامِ فِي حُقُوقِ النَّاسِ بَاطِلٌ وَإِذَا قَطَعَ الرَّجُلُ الطَّرِيقَ عَلَى رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبُوهُ أَوْ ابْنُهُ وَأَخَذَ الْمَالَ فَإِنْ كَانَ مَا أَخَذَ مِنْ حِصَّةِ الَّذِي لَيْسَ بِأَبِيهِ يَبْلُغُ رُبْعَ دِينَارٍ فَصَاعِدًا قُطِعَ كَانَ مَالُهُمَا مُخْتَلِطًا أَوْ لَمْ يَكُنْ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لاَ يَمْلِكُ بِمُخَالَطَتِهِ مَالَ غَيْرِهِ إلَّا مَالَ نَفْسِهِ فَإِنْ اسْتَيْقَنَّا أَنْ قَدْ وَصَلَ إلَيْهِ رُبْعُ دِينَارٍ مِنْ غَيْرِ مَالِ أَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ قَطَعْنَاهُ وَإِذَا قَطَعَ أَهْلُ الذِّمَّةِ. عَلَى الْمُسْلِمِينَ حُدُّوا حُدُودَ الْمُسْلِمِينَ وَإِذَا قَطَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ حُدُّوا حُدُودَهُمْ لَوْ قَطَعُوا عَلَى الْمُسْلِمِينَ إلَّا أَنِّي أَتَوَقَّفُ فِي أَنْ أَقْتُلَهُمْ إنْ قَتَلُوا أَوْ أُضَمِّنَهُمْ الدِّيَةَ وَإِذَا سَرَقَ الرَّجُلُ مِنْ الْمَغْنَمِ وَقَدْ حَضَرَ الْقِتَالَ عَبْدًا كَانَ أَوْ حُرًّا لَمْ يُقْطَعْ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيهِ نَصِيبٌ الْحُرُّ بِسَهْمِهِ وَالْعَبْدُ بِمَا يُرْضَخُ لَهُ وَيَضْمَنُ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ سَرَقَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ سَرَقَ مِنْ زَكَاةِ الْفِطْرِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْحَاجَةِ وَمَنْ سَرَقَ خَمْرًا مِنْ كِتَابِيٍّ وَغَيْرِهِ فَلاَ غُرْمَ عَلَيْهِ وَلاَ قَطْعَ وَكَذَلِكَ إنْ سَرَقَ مَيْتَةً مِنْ مَجُوسِيٍّ فَلاَ قَطْعَ وَلاَ غُرْمَ لاَ يَكُونُ الْقَطْعُ وَالْغُرْمُ إلَّا فِيمَا يَحِلُّ ثَمَنُهُ فَإِذَا بَلَغَتْ قِيمَةُ الظَّرْفِ رُبْعَ دِينَارٍ قَطَعْتُهُ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ سَارِقٌ لِشَيْئَيْنِ وِعَاءٌ يَحِلُّ بَيْعُهُ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ إذَا غُسِلَ وَخَمْرٌ قَدْ سَقَطَ الْقَطْعُ فِيهَا كَمَا يَكُونُ عَلَيْهِ الْقَطْعُ لَوْ سَرَقَ شَاتَيْنِ: إحْدَاهُمَا ذَكِيَّةً وَالْأُخْرَى مَيِّتَةً وَكَانَتْ قِيمَةُ الذَّكِيَّةِ رُبْعَ دِينَارٍ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الْقَطْعُ أَنْ يَكُونَ مَعَهَا مَيِّتَةٌ وَالْمَيِّتَةُ كَلاَ شَيْءٍ وَكَأَنَّهُ مُنْفَرِدٌ بِالذَّكِيَّةِ لِأَنَّهُ سَارِقٌ لَهُمَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
|